للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أين. فمن العجيب الذي لا ينقضي عجبه أن يظن رجال من رجالنا أن في طوقهم أن يراوغوا الإنجليز فيستولوا على جحرتهم المحتفرة في طبائعهم وأخلاقهم وعقولهم.

إن معنى المفاوضة والمعاهدة بيننا وبينهم هي أن يسعى الإنجليز جهدهم حتى تطمئن إليهم، فإذا فعلت اخذوا بيدك وقادوك إلى مثل جحرة اليربوع، فيدخلون بك من واحد إلى ثان إلى ثالث، حتى إذا خيل إليك انك قد تمكنت منهم (نفقوا) من نافقائهم بأسهل مما كنت تتصور. وهكذا شهدنا وعرفنا وخبرنا منذ احتلوا بلادنا في سنة ١٨٨٢، فوعدوا الدنيا كلها - لا نحن وحسب - بالجلاء الناجز، ولكنه ظل وعدا إلى هذا اليوم. وجاءونا اليوم يعدوننا أيضاً أن يجلوا عنا بعد عام أو عامين أو ثلاثة - أي ذلك كان. فمن الذي يصدق هذه اليرابيع؟ ومن شفيعهم وضمينهم في كل هذا؟ أهو الخط المكتوب، أم اللفظ المنطوق، أم سوابق العهود المؤكدة والمواثيق الغليظة!!

إنها لغفلة أن يرى أمرؤ نفسه أقدر على خديعة هذه اليرابيع من قدرتها هي على خديعته. وليس يعلم شيئا من ظن أن الإنجليز ينفضون أيديهم من شيء هو كائن في أيديهم. فالإنجليز يرابيع بالطبع والممارسة، حتى أن (النفاق) الذي علمته في أخلاق اليرابيع، قد صار أيضاً خلقا من أخلاقهم يشهدون هم به على انفسهم، ويشهد عليه به تاريخهم منذ كان لهم تاريخ. وهذا النفاق المطبوع هو الذي جعلهم اقدر شعوب الأرض في كل شئون السياسة. وما مواعيدهم، ولا معسول ألفاظهم، ولا روعة دعوتهم إلى الحرية، ولا كمال إخلاصهم في تحرير الجنس البشري من غوائل النازية، ولا صبرهم على المكارة في سبيل المثل الأعلى للإنسانية - كل ذلك ليس ببعيد عنا في زمن الحرب الماضية. لقد نطقوا بكل شيء، ولكنهم لم يحققوا شيئا مما نطقوا، فكيف نرضى لأنفسنا أن نؤمن بأنهم فاعلون معنا شيئا لم يردهم خجل ولا حياء عن نكث مثله وإخلافه، بل أكبر من ذلك انهم فعلوا نقيضه ودافعوا عن فعله بمثل القوة والبلاغة التي كانوا يزينون بها لأمم الأرض أن تعينهم في أيام محنتهم وبلواهم!

ومن عجائب الإنجليز أنهم يعملون علما ليس بالظن انهم معتدون متغطرسون ظالمون، يأكلون الحقوق أكلا لا يرعون فيه حرمة ولا ذمة. ومع ذلك فهم من طول ممارستهم للنفاق قد انتهوا إلى أن اقنعوا أنفسهم بان هذا الاعتداء وهذه الغطرسة وهذا الظلم ليس له وجود

<<  <  ج:
ص:  >  >>