للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لان رجالنا يستضعفون انفسهم، ويظنون أن هذا الشعب لا يمكن أن يظفر بحقه إلا بمداورة الإنجليز والترفق في معاملتهم، حتى ينالوا من أيديهم ما تيسر! وهذا عجب! بل هو غفلة! بل هو كدح أحمق في سبيل لا شيء. فقل لي بربك كيف يستطيع إنجليزي أن ينزل لنا عن شيء هو يريد أن يؤمن بأنه حق له، وإن كان حقا موروثا متحدرا من اصل البشرية كلها، وهو الاستقلال والحرية!. . .

خلق الله في دواب الأرض دابة يسميها العرب اليربوع، تكثر في بلادهم، وهي نوع من الفار قصير اليدين جدا، وله ذنب كذنب الجرذ يرفعه صعدا، وفي طرفه شبه النوارة. ولهذا اليربوع أسلوب فرد في حياطة نفسه وأموره، حتى انه يتخذ لعشيرته رئيسا يقف حارسا على جحرة اليرابيع يحميها، فإذا قصر في الحراسة، وهجم على اليرابيع من جراء غفلته وإهماله هاجم أفزعها أو اضر بها، انقلبت على ذلك الرئيس فقتلته وأقامت غيره مقامه، ويتخذ كل يربوع منها جحرة يلوذ بها، ويجعلها سبعة لها سبعة أبواب. فيبدأ أول ما يبدأ بالجحر الذي يسمونه (الرهطاء) فيغطيه بالتراب حتى لا يبقى منه إلا على قدر ما يدخل الضوء منه إلى جحره هذا، ثم يحتفر حجرا يسمونه (الحاثياء) يحثو عنده التراب برجليه ليخفى مدخله. ثم يحتفر آخر يسمونه (الداما) لأنه يدممه بتراب نبيثته حتى لا ينفذ منه عدو، ثم ينشا حجرا آخر يقال له (العانقاء) يملؤه ترابا، فإذا فجأة ما يخاف اندس فيه إلى عنقه. ثم يحفر (القاصعاء) وهو حجر يسده سدا محكما لئلا يدخل عليه منه حية أو دابة. ثم يحفر (النافقاء) ويجعل على فمه غشاء رقيقا، فإذا اخذ عليه بقاصعائه عاد إلى هذه النافقاء فضربها برأسه ونفق منها ومرق خارجا. ثم يجعل سابع سبعة حجرا يقال له (اللغز) يجعله بين القاصعاء والنافقاء، يحفره مستقيما إلى اسفل، ثم يعدل به عن يمينه وشماله عروضا تعترض، يغميه ليخفى مكانه بذلك الألغاز، فإذا طلبه طالب بعضا أو سواها نفق من الجانب الآخر.

أفرأيت إلى كل هذه الحيطة وكل هذا التدبير! فإن تعجب فانك واجد في الخلق الإنجليزي أكثر من هذه مداورة وتفلتا وإلغازا ومراوغة. والإنجليز أنفسهم يعلمون انهم كذلك وانهم يخفون في سرائرهم ما لو اطلعت عليه لاستصغرت من احتيال هذه الدابة ما استكبرت. ومن أراد أن يدخل على الإنجليز جحرتهم وقع في متاهة لا يدري معها من أين ولا إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>