ويدعه الرجل ويركض إلى الدار يشعر انه يمشي في الزمان، يعود أدراجه إلى لياليه الماضيات، إلى عهد الحب الضاحك، ولياليه المترعات بالقبل. لقد نسى في هذه الخطوات كل ما لقي من شقاء، وما حمل من ألم، وامتلأ قلبه شكرا لله الذي استودعه حبيبته وما في بطنها فما ضاعت عنده الوديعة، هذه الحبيبة التي طالما بكاها يحسبها ميتة وجاء ليدفن جسده الواني بجانب رفاتها، قائمة تنتظره لتمنحه عطرها وسحرها ونحرها، وهذا الجنين الذي خلفه على باب الموت شابا ممتلئا قوة وأيدا ومالا ومجدا. . .
ووصل إلى الشاب، فقال له: ما تبتغي؟
فخفق قلبه، وتلاحقت أنفاسه، وهمت مقلتاه، ولك يجد ما يمهد به الحديث، فقال له:
- أنا أبوك!
ونظر الشاب شاكسا، وقال له: اتبعني، فاتبعه فاجتاز به صحنا بعد صحن، حتى انتهى إلى المكان الحرم فأقامه أمام ستارة، وذهب ليسال أمه، ودل الرجل قلبه على إن الحبيبة وراء الستارة فناداها، وإذا الستارة تهتك، والمرأة تثب إلى عنق الرجل، تبكي وتضحك وتضحك وتبكي وتقول ما لا ترديه. . .
ويدير الشاب وجهه فما يحس به أن ينظر إلى أبويه وهما يعيدان عهود الهوى والشباب. . .