للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

زيارته لألمانيا بادرة الإمبراطور غليوم عندما قدم إليه بقوله: (الفرقة التاسعة عشرة أنا فارطة) ونظرة عابرة تريك ما هي هذه الوقفة.

إن القطع العسكرية التي في الخطوط الأمامية ذابت تحت نيران المدفعية وقذائف الأسطول ونيرانه المركزة، ولكن لم يتراجع أو يفر فرد واحد منها، بل فنيت بأكملها حتى آخر جندي فيها، وكانت عظيمة في موتها واستشهادها لأن الطلقات التي استمرت تقذف بها أوقفت الهجوم في أشد الأوقات أنقذت الجبهة إذ لم يطأ العدو خنادقها إلا بعد أن لفظ آخر جندي بها أنفاسه الأخيرة.

أما الفرق التي تجمعت في الخطوط التالية فقد كانت تسير إلى الموت وقد ظهر تصميم القتال على وجوه أفرادها، كانت رائعة في مواقفها وفي ثباتها وهي تتراص، كانت قد تحملت نيران العدو وقذائفه ثلاثة أيام بلياليها، لم تؤثر فيها أيام الانتظار ولا ساعات السير على الأقدام من موقع لموقع. كان يخيل إلى من رآها أنها قد أتت من المؤخرة من ساحة العرض أو احتلت مراكزها بعد راحتها وكأنها لا تعلم بما يدور حولها أو كأنها لم تر بعينها سوق الموت القائمة.

نعم كانت معنوياته وأعصابها بإقرار كل من كتب عن هذه الحرب من النقاد الحربيين من البريطانيين والألمان وغيرهم، فوق المستوى العادي للبشر في الساعة التي رأت قائدها العنيد يباشر القتال بنفسه ويصدر أمره مقتحما أول ربوة واجهته ليقودها إلى النصر، ولذلك جاء هجوم هذه الوحدات كإعصار يدك كل شيء، ولم يكن الخصم ينتظر دفاعا مثل الذي لقيه في أول يوم ولا هجوما كهذا، وعليه ولى الهاجمون الأدبار وأخلوا المواقع التي احتلوها متجهين إلى البحر، وفي مساء آخر يوم للمعركة جاء قائدهم من جزيرة لمنوس على باخرته من الجنوب ليشهد الشراذم تتجمع على الشاطئ لركوب القوارب، كانت بقايا الوحدات المنظمة التي قذف بها على الجزء الغربي من غاليبولي: وكان أن اتخذ الأتراك اسم المعركة لقبا لأبطالهم فحلوا بانافارطة واحتفلوا بها واتخذوا يومها عيدا لهم يعيدون فيه ويشيرون إلى أن بعثهم من جديد كأمة بدأ من ذلك اليوم.

واختتمت معركة أنا فارطة بأيامها ولياليها والقمر شاهد عليها بالنصر الذي جعل اعظم قوات العالم تبدل وتغير في خططها الكبرى واستراتيجيتها ثم تقرر إخلاء شبه الجزيرة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>