المسلمين وبما أفنت من رجالهم وبما مزقت من أشلائهم وبما خربت من مساجدهم وآثارهم وقبورهم. لقد تجمعت على الأتراك القوى من كل جانب وحاصرتهم في البر والبحر ولم يبق بعد طول العراك سوى هذه البقعة من الأرض يرفرف عليها علمهم: فما قيمتها للجندي المقاتل الذي اغمض عينيه للمرة الأخيرة أمام نظر قائده؟ هي له الموئل والمآل فهل هي النهاية كما كانت للأجداد بداية؟).
في ليلة من ليالي أنقرة في قصر نشان قايا اخذ الزعيم يشرح هذه النظرية أمام جمع التف حوله فقال:(إن المعارك التي خذنا غمارها بالأمس والتي سندعي لغيرها بالغد هي حلقة من حلقات هذا الهجوم المضاد القاسي الذي شنه الغرب علينا وأثاره الترك بزحفهم إلى فينا كما أثاره العرب بفتوحاتهم الأندلسية ودخولهم إلى قلب فرنسا).
قال إنه بعد معارك الدردنيل وفي وسط حرب الاستقلال كان يحدث نفسه قائلا:(لقد فرض علينا الأعداء أن نفنى لأننا كنا أقوياء وخيل إليهم أن جهادنا التاريخي قد انتهى وإننا نعالج سكرات الموت في الموقع الأخير فهل تنفخ في البوق النغمة الختامية على أجساد آخر المقاتلين من بقايا تلك الملايين التي حادت بالارواح في حومة الوغى وتطوى تركيا وتحمل إلى اللحد كما فنيت وطويت آشور وروما وكما زال فرعون وثمود وعاد).
حدث عن نفسه قائلا انه في أسوء المواقف كان يشعر (بان هذا لن يكون وان بلاده ستبعث قوية وستحيا إلى الأبد).
وهنا التفت وصوب نظراته النافذة وخرج كلامه قويا فقال (إن إطلاق النظريات الإنشائية والآمال والأفكار الكبرى سهل على النفس ولكن التمسك بها والسير على ضوئها صعب، لان هذا يستلزم أولا إخراج ما يلابس هذه النظريات والمبادئ من عوامل السلبية وما يلازم الفكر البشري من عناصر الضعف والتردد، إن الأفراد الذين ينصبون أنفسهم لخلاص الوطن يجب عليهم أن يتجردوا من أشياء كثيرة عزيزة عليهم).
ذلك مبدؤه الذي نادى به في تلك الليلة؛ وتفسير ذلك أن معارك الدردنيل أصبحت له قوة دافعة بل كانت حدا فاصلا في حياته إذ أمضى الشهور ونفسه متوثبة متطلعة تحت تأثيرها، ولكن ما لبث أن واجهتها الحقائق: عادة إليه ذكريات الهزائم المتتالية وأخذت تبدو إليه العاصمة بمظاهر التفكك والانحلال الخلقي وعوامل الهدم وتاثرت نفسه لما استعرض