للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والخيالات الوهمية من نفسه بل يجتهد أن يحرر عقله منها، وأخيرا وجد ضالته فقال: (إن الإمبراطورية التي أقامها بنو عثمان من بقايا ملك آل سلجوق وقدر لها أن ترى فتح القسطنطينية يتحقق على يديها، هذه الدولة التي سببت المتاعب والمخاوف لأوربا وشعوبها ودانت لها الدنيا ستة قرون لم تعد شيئا مذكورا بعد الضربات التي تلقتها من أعداء الداخل والخارج، فكل عمل يبذل لإنقاذها سيذهب هباء منثورا).

واضطربت نفسه أمام نكبات تركيا المتتالية وحروبها التي لا تنقطع فأراد أن يجد لذلك مبررا من دروس الماضي متسائلا لماذا كانت بلاده من بين بلاد العالم هي التي توجه أليها الضربات والهجمات من كل جانب؟ حاول أن يجد تفسيرا لذلك فقال: (إن الأعلام الحمراء التي ظهرت في آسيا وحملتها جيوش المسلمين إلى أوروبا حتى ظللت أسوار فينا وقفت هناك وقفتها الأولى وكان ذلك في القرن العاشر من الهجرة، كما وقفت من قبل أعلام العروبة والإسلام في تود وبواتييه من أرض فرنسا في القرن الأول قبل الوقفة الثانية بتسعة قرون).

(إن العهد الذي لقي فيه المسلمون أولى هزائمهم وفترت فيه معاركهم الزاحفة الفاصلة قد حرك روح الانتقام لدى لعدائهم وأن القاعدة أن كل هجوم تعقبه فترة هدوء واستجمام للمهاجم ولكن هذا لا يمنع أن كل تصادم يحرك تصادما وكل هجوم يعقبه هجوم مضاد، فالهزيمة التي أوقعها شارل مارتل بجيوش المسلمين في فرنسا كانت فاتحة الهجوم المضاد الذي شنته أوروبا على العرب في أراضيها والذي دام ثمانية قرون حتى قذفت بهم على الشاطئ الافريقي، ولك تقف عند ذلك الحد، بل استجمعت قواها في القرنين التاسع عشر والعشرين وأخذت تطارد العرب في ديارهم وتنزع من أيديهم الجزائر وتونس ومراكش ومصر وطرابلس، وما ملاحقة هذه الشعوب والعمل على إفنائهم وإسكان الأوروبيين بأراضيهم سوى حلقة من حلقات ذلك الصراع الصليبي الذي بدأ من تور وبواتييه أو قل هو الثمن الذي يدفعه العرب نتيجة لهزيمتهم في قلب فرنسا).

(أما الأتراك العثمانيون فقد أثاروا الهجوم المضاد عليهم من يوم هزيمتهم تحت أسوار فينا إذ تلاحقت عليهم النكبات في خلال ثلاثة قرون، فرض عليهم القتال فيها ولم تبق أمة من أمم أوروبا إلا اشتركت وساهمت فيه بحق وبغير حق، بل وافتخرت بما سفكت من دماء

<<  <  ج:
ص:  >  >>