للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الممثول. ويحد لا بالخلق المعدود، والجسم الموجود، بل يتناهى من وصفه، إلى ما دل عليه من صنعه، ويوقف من نعته، على ما أخبر به عن نفسه. وكيف يوصف من لم يره أحد، أو يحد من لم يحده بلد، أو يشبه غير ذي أعضاء، أو يكيف غير ذي أجزاء. لو رئي لوصف، ولو وصف لمثل، ولو مثل لكان له نظير الخ) فكل هذه التنزيهات من منع التحديد والرؤية، ونفي الصفات على نسق واحد في التحميدين. مما يجعلنا لا نشك في أنها وليدة عصر واحد، ونشك في أنها وليدة عصرين، ثم لو قارنا هذا التحميد بتحميدات أمير المؤمنين التي يهدينا البحث إلى أنها له. . لوجدنا بوناً شاسعاً في المعنى والأسلوب والروح مما يظهر منه أن القائل غير واحد. . . ثم لنا نظرة في هذه التنزيهات وهي قوله في صفة الله (الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود. ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل محدود. . . أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده. وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه. ومن قرنه فقد ثناه. ومن ثناه فقد جزاه. ومن جزاه فقد جهله. ومن جهله فقد أشار إليه. ومن أشار إليه فقد حده. ومن حده فقد عده. ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه). . هذه التنزيهات تجري على نسق بديع من البيان والمنطق وكلها عقائد كلية في علم الكلام.

وأهم ما يطالع الباحث فيها شيئان: هما المحور الذي تدور عليه. والغرض الذي صيغت من أجله هما منع رؤية الله ونفي الصفات. فمنع الرؤية يؤخذ من العبارات الأولى، لأن الإدراك قد نفي، والرؤية أحد الأدراكات، ولأنها تقتضي تكييفاوقد دلل على بطلان التكييف. ولذلك نرى أبن أبي الحديد عند شرحه لهذا الكلام يطنطن في هذه المسألة، ويدلل عليها بأدلة المعتزلة، ويرد على الأشاعرة رداً قوياً ومعقولاً. وأما نفي الصفات فقد جاء صريحاً في قوله. (وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة). . ونفي الصفات كلام جرى بين علماء الكلام وأخذ به المعتزلة - واحتدم فيه النزاع والجدال بينهم وبين الأشاعرة. والمعتزلة ينفون الصفات بدعوى أنها تثبت تعدد القدماء، وأنه لابد من تغاير بين الصفة والموصوف،

<<  <  ج:
ص:  >  >>