للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأن الموصوف يسبق الصفة، ولذلك يحرجون الأشاعرة فيسألونهم عن كيفية قيام الصفات بالذات إن كانت زائدة عنها. والذي يعنينا من هذا الكلام أن مسألة الرؤية ومسألة نفي الصفات لم تنشأ إلا بعد نشوء مذهب الاعتزال، وإلا بعد أن اختلف واصل بن عطاء وأستاذه الحسن البصري في مسألة الاختيار ومسالة مرتكب الكبيرة إن لم يتب. فلم يكن لهذه المسائل أثر في زمن علي. ولم يكن لعلي أو الناس وقت يخلون فيه إلى نفوسهم ويفكرون في مثل هذه الأشياء. وليس عندهم ما يدعوهم إلى التفكير في هذه الأشياء. وإنما كانوا في زمن الرسول والخليفتين من بعده يفكرون في الفتوح وفي أنها الدين الجديد وأغلب الخلاف كان في فروع الأحكام لا في أصول العقائد. وفي زمن الخليفة الثالث حصلت فتن سياسية أفضت إلى قتله. ولم تكن هذه الفتن لتترك الناس يفكرون في مثل هذه العقائد، وفي زمن علي قام الخلاف بين أمير المؤمنين وبين ناقضي بيعته فاشتعلت به نار الحرب وانتهى الأمر إلى الأمويين. وحصل بهذا الانقسام خلاف جديد لا في الأشياء التي نحن بصددها وإنما في شيء آخر هو الإمامة، انقسم الناس به إلى شيعة وخوارج ومعتدلين. . فالمعقول إذن والمعروف من التاريخ السياسي وتاريخ علم الكلام أن هذه العقائد جاءت متأخرة عن علي وزمن علي وأنها نشأت بعد نشوء مذهب الاعتزال وصارت من مسائله وكلياته. . . فالدليل ناهض والحجة ناصعة على أن علياً لم يقل هذه العبارات ولا نشأت في عصره. . وربما كان الرضى قائلها. أو أنها وقعت للرضى منسوبة للأمام فألحقها بالكتاب

وبنظرة في هذه العبارات نجدها عبارات تأليفية محضة، فعبارة (نفي الصفات) وعبارة (لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف الخ) هي بعينها الجارية على ألسنة المؤلفين والباحثين في علم الكلام حتى أن أبن أبي الحديد يقول عند العبارة الأخيرة هذا دليل المعتزلة بعينه. . ويظهر على هذه العبارات بأجمعها أنها جاءت وليدة جدل وبحث، وان فيها تكلفا محسوسا جاء من إقامة الدليل المنطقي ومن قرع الحجة بأختها مما يشهد على أن هذا الكلام من أحد المتحمسين لهذا المذهب. والمنافحين عنه وأنه حدث بعد احتدام الجدل بين الفريقين.

(يتبع) - أبو حماد

<<  <  ج:
ص:  >  >>