قال: لا تضطربي. . . إنني متخاصم مع أهلي، وقد انفصلت عنهم مؤخرا، واضطررت إلى استئجار هذا البيت المفروش مؤقتا إلى ان يتم بناء بيتي الجديد في حي القطمو. . . وبيتي الجديد. . . عفوا. . . بيتنا الجديد، هو عبارة عن طابقين مبنيين من الحجر الأحمر المعرق، وله حديقة غناء مزروعة بأطيب الزهور والرياحين، وله أربع شرفات في جوانبه الأربعة، تطل إحداها على المدينة المقدسة، وتطل على هضاب بيت لحم، وتطل الثالثة على قرية المالحة، أما الرابعة فتطل على أحياء القدس العصرية، وسأفرشه بأفخر الأثاث المصنوع من خشب الزيتون.
ومر الأسبوع الأول، ثم تلاه الثاني والثالث، ثم اكتمل الشهر. . . وكل شيء باق على ما هو عليه ضمن الوعود المتواصلة وكانت سيارة تأتى إلى البيت في كل صباح لتقل جميل بك إلى عمله ثم تعيده مساء. . .
ويبدو أن إبنة الباشا قد خامرها بعض الشك في سلوك زوجها، فعقدت النية على أن تزوره في مكتبه وان تلح عليه بالذهاب معا لرؤية البيت الذي لم يكتمل بناؤه بعد. وراحت في أحد الأيام تبحث عنه وعن مكتبه بجوار المحاكم. . .
وهناك سالت أحد سعاة البريد عن مكتب المحامي جميل بك العكرماوي، فقال لها انه لم يسمع بهذا الاسم قط. . . ثم سالت غيره فتقلت منه الجواب ذاته. . . ثم سالت عنه أحد كتاب العرائض. . . فقهقه هذا وظنها عميلة جديدة وقعت في فخ زميله جميل. . . إنني لا أعرف جميل بك العكرماوي، لكنني اعرف جميل العكرماوي كاتب العرائض، وهذا هو ذا يجلس في تلك الزاوية من العمارة. . . وأنصحك بالا تكتبي عنده شيئا فهو شخص يغرر بالسذج من الناس وإنني لعلى استعداد بأن أتقاضي منك الأجر نصف ما يتقاضاه هو. . . يضاف إلى ذلك إنني اخذ على عاتقي ملاحقة قضيتك في جميع الدوائر، هلا أطلعتني أيتها السيدة على ما هية قضيتك هل هي جزائية. . . أو حقوقية. . .؟
وتركته المرأة مسرعة إلى حيث أشار، فرأت زوجها يضع ورقة على ركبته، والعرق يتصبب من جبينه، وهو يكتب رسالة لرجل فقير كسيح. . .