الإخلاص أمام الملك الظاهر أعظم ملوك الإسلام المجاهدين المرابطين، فمن وجدت بقعة أوحت إلي وملأت روحي مثل هذه البقعة وقبر صلاح الدين. لقد جعلاني أومن بحق الوطن الخالد وعظمة مصر قلب العروبة والإسلام وأوحت كل منها إلى بالدوافع النفسية للعمل وعرفتني مكانة بلادي في التاريخ إن القوى الكامنة فيها لا تقهر وإنها سوف تظهر للعالم وتكتب في تاريخ العرب والمسلمين صفحة جديدة، وستبعث بعثاً جديداً بإذن الله.
إلى هذه التربة أنتهى مسير جثمانه الطاهر ليرقد رقدته الأبدية إلى يوم البعث إذ هناك يرقد بطل المنصورة وعين جالوت وصاحب الفتوحات الكبرى: قيصرية وارسوف وصفد وطبرية ويافا والشقيف وإنطاكية وحصن الأكراد، وغيرها من البلاد والحصون والقلاع، صاحب مصر والشام وبرقة والحجاز والنوب وأرض الفرات:
تدبر الملك من مصر إلى يمن ... إلى العراق وارض الروم والنوبي
ولن اترك الظاهرية من غير أن أشير إلى ما ذكره اليونيني في تاريخه عن أول درس للشريعة ألقى بها بعد بنائها إذ قال:
(وفي يوم الأربعاء ثالث عشر صفر كان أول درس بها ترأسه نائب السلطنة المصرية بالشام، وكان درسا حافلا حضره القضاة وكان مدرس الشافعية الشيخ رشيد الدين محمود بن الفارائي، ومدرس الحنفية صدر الدين سليمان، ولما توفي تولى بعده حسام الدين أبو الفضائل الحسن بن أنو شروان الرازي الحنفي الذي كان قاضياً بمدينة مطلية).
ها قد عشت يوماً من أيام الملك الظاهر فانظر أثابك الله إلى آثار ذلك العهد وإلى علمائه وتعجب لحالنا اليوم وما نحن فيه.
فهل فكر أهل مصر والشام في الظاهرية والملك العظيم المدفون بداخلها؟ هل أعطيت له مكانة البطولة التي يستحقها في التاريخ؟ أنظر إلى الحجر الرخامي على الباب تجده من عمل أحد الولاة بدمشق فيه شعر ركيك بالعربية وبالتركية يكيل المدح، وينسى واضعه أن يذكر صاحب المدرسة والتربة بكلمة واحدة. ومن نكد الدنيا إن الوقفية على المدرسة الظاهرية منقوشة على أحجار البناء على الباب الكبير، ولكن هذا لم يمنع الولاة والغاضبين من أن يحرموا الظاهرية من القرى الموقوفة على دروس الدين. أني استحي من نفسي وأخشى أن يقراني العالم إذا ذكرت للناس أسماء الضياع وأسماء من أغتصبها: رحم الله