للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المقطوعة على يد ملتن إذ قال: (لقد أصبحت هذه بوقاً في يديه)

ولئن خرج ملتن بالمقطوعة عن نطاق الإليزابثيين ومن قبلهم من الإيطاليين، وأتخذ منها أداة لخواطره السياسية والاجتماعية إلى جانب خطراته المنحصرة في حياته الشخصية، فإن تمكنه وصدقه قد جعلا لمقطوعاته السياسية والاجتماع من الجمال والسحر ما تسمو به إلى مستوى الآثار الأدبية الرفيعة، وأعانته ضلاعته على أن يلبس الآراء السياسية لباس الأدب الصحيح، ويضفي عليها رونق الفن وروعته وهو عمل يستعصي على من لم يكن له مثل عبقريته. ولما كانت المقطوعة عند الإيطاليين والإليزابثيين شكاة في الأكثر من حبيب قاس أو من ضنى الحب وسهده ووجده فقد الفتها النفوس في هذا المجال وان كان قد تطرق إليها بسبب هذا الفتور والصنعة حتى استصغر شأنها بعض النقدة كما أشرنا.

ويعد خروج ملتن بها عن نطاقها جرأة في الفن تنهض دليلا على فحولته وصدق شاعريته يضاف إلى ما توافى له من أدلة وذلك فضلا عن كونه فتحاً في تاريخ المقطوعة صار له ما بعده.

ولقد أشرنا إلى أكثر هذه المقطوعات كلا في موضعها من سيرته أو في المناسبة التي نظمها الشاعر فيها، وكانت مقطوعته التي ناجى فيها البلبل أول شبابه هي باكورة مقطوعاته الإنجليزية وتليها المقطوعة التي نظمها بعد ذلك بقليل بمناسبة بلوغه الثالثة والعشرين من عمره، وكلتاهما من المقطوعات التي تدور حول شخصه، ومن أشهر تلك المقطوعات الشخصية ما ظمه حين أصيب بفقد بصره ثم تلك المقطوعة التي رثى بها زوجته الثانية. أما مقطوعاته العامة فأولها مقطوعة جميلة لم نشر إليها من قبل وهي التي اتخذ عنوانها (حينما أزمع مهاجمة المدينة) وكان ذلك سنة ١٦٤٣ إذ تهددت جنود شارل مدينة لندن، وهو يخاطب فيها الفرسان ألا يزعجوه في مأمنه وألا يزعجوا الشعر في منعزلة وجزاؤهم على ذلك أن يخلد أسماءهم بثنائه ويشير فيها إلى ما فعله الاسكندر الأكبر حين حطم مدينة مقدونيا فأنه استثنى البيت الذي كان يعيش فيه من قبل الشاعر بندار، وكذلك فعل ليساندر القائد الإسبرطي فأنه أنقذ أثينا من الدمار لأنها أنجبت يوروبيدس وكان القائد قد سمع بطريقة المصادفة شيئا عن شعره. ومن اشهر هذه المقطوعات العامة مقطوعة عن مذابح بيدمنت وتلك التي مجد فيها فيرفاكس ثم تلك التي رفعها إلى كرمول.

<<  <  ج:
ص:  >  >>