في الفصول الخمسة لهذا الباب تتجلى عقلية المؤلف كرجل عالي مهتم بقضايا الإنسانية كلها مشخص لأدواتها، واسع المعرفة بدخائل حياتها في المشرق والمغرب. وإذا كان تشخيص الداء في الطب هو أول وسائل العلاج، فإن ذلك صحيح في الاجتماع أيضا. وإذا كان ذلك لا يتأتى إلا لمهملين من الأطباء، فإن هذا لا يتأتى إلا للمهملين من علماء الأجتماع.
لقد حصر الأسباب الرئيسية للأضطراب العالمي في الاستعمار، وفي النزاع بين الطبقات على النظم الأقتصادية، وفي الإفراط في النزعة الوطنية والعنصرية وإنكار حقوق الأخرسين، وفي طغيان المادية وحب الترف، وفي انهزام القوى المعنوية أمام القوى المادية مما ترتب عليه تبلبل الأخلاق والعقائد والعرف الصالح، وفي تفشي فلسفة الكذب والغدر والنفاق في السياسة.
وقد بين بالوقائع والأسانيد أن الاستعمار خراب وان فرائسه هي فرسانه! وأنه سراب لا تملأ أمواجه ملعقة. . . وأنه سبب الحروب في القرنين الاخيرين، وإنه شر الغالب وشر على المغلوب في الغرب والشرق، وأنه لا بد من التضحية به لنجاة الحضارة، وأن الرسالة الخالدة تنكره وتنكر مبرراته!
أما نزاع الطبقات، فقد صار في العصر الحديث عنصرا للاضطراب العالمي بين الفقراء والأغنياء والعمال والصناع والملاك والمديرين. وقد ضاعف التعقيد العصري للمذاهب والدعوات في خطر هذا العنصر، وكذلك ضاعف استخدام البخار والكهرباء في عوامل استفحاله بين رأسمالية الآلة والعمال، وتفرق الناس من اجل فلسفات هذا النزاع بين الشيوعية والرأسمالية والفاشية والنازية والديمقراطية. ولا شيء يستطيع أن يقاوم التعقيد في هذا العنصر إلا البساطة الدينية في معالجة مشكلات المال. فقد جعلت للمحروم حقه الثابت في أموال الناس جميعا وهذا المبدأ الثابت يتناوله التنفيذ المرن بحسب الظروف. والقرآن أوجب الزكاة، وعلى الإمام أن يوجهها حسب الحاجة. وكل مصلحة اجتماعية فهي سبيل الله، فتشمل التامين الاجتماعي والصحي مثلا. ولم تكتف هذه البساطة أيضاً بفرض