هذا الحق المعلوم في أموال القادرين للمحتاجين، بل جعلت الدولة كفيلة على إقامة التوازن الاجتماعي، سواء أكان بالزكاة أم بغيرها إن لم تكف الزكاة الحاجات العامة. وحيثما كانت المصحة واعدل فثم شرع الله ودينه. وفي التاريخ الإسلامي أمثلة رائعة لتصرف الدولة حسب الظروف مع عدم تقيدها بالنصوص القرآنية في أهم المسائل الاقتصادية والسياسية. وقد ضرب منها مثلا في تصرف أبي بكر في مساواة السابقين إلى الإسلام واللاحقين في الأعطية وتفضيل السابقين في عهد عمر، ومثلا آخر في عهد عمر حين رأى عدم تقسيم أرض العراق والشام كفيء على المحاربين وأجرى لهم أعطية من خراجها مع بقائها في أيدي الأجراء يعملون فيها محافظة على حقوق الذريات والأجيال الآتية. مع إن النص القرآني صريح تقسيمها إلى كفيء على فاتحيها.
وقد ألزم الإسلام السلطان بمنع النزاع بين الطبقات وبالتامين والتوازن الاجتماعي بالتهذيب الروحي ومحاربة الترف والبذخ والجمع بين الوجدان والسيف
أما النزاعات القومية والوطنية، فقد صارت عصبية حديثة أوحاها التشدد في الحدود الجغرافية والجنسية، وهي نزعات لم تكن بهذا الاستفحال في العصور القديمة والوسطى حين كانت الدولة الواحدة يشترك في خدمتها عناصر وأجناس متفرقة كلها ترقى سلم المناصب الرفيعة بحسب المواهب في خدمتها. فليست هذه النزاعات الحديثة سببا في الاستقرار بل عاملاً في زيادة الاضطراب لأن الحدود السياسية الخالية للأوطان حدود صناعية كثيرا ما تفرق بين جنس وآخر وتضم أجناسا مختلفة. وقد مر قرنان على أوربا وقد غرقت في الدماء من جراء النزاع على الحدود وتحرير الأقليات بين الفرنسيين والألمان، وبين النمسويين والألمان وبين هؤلاء وهؤلاء والصقالبة، وبين النمسا وإيطاليا، وبين البلقانيين جميعا، وبينهم وبين الدولة العثمانية وبين روسيا وغيرها من جيران الشرق والغرب، وبين المجر والتشك والبولونيين والرومانيين.
وقد أنتقلت هذه العصبيات إلى الشرق لتأدبه بأدب الغرب، فعلى سنجق الاسكندرونه خلاف بين سوريا وتركيا، وعلى شط العرب بين العراق وإيران، وقد ابتدأو ينسون الأدب المحمدي في النظرة إلى أشبار الأرض. . .
وقد لجأت الدولة إلى الهجرة الإجبارية فلم يستفيد منها أحد، وحاولت عصبة الأمم حل