بقي شيء واحد هو إن إنجلترا قد خرجت من هذه الحرب في المرتبة الثالثة من دول العالم. فإذا جاءت الحرب الثالثة فإنجلترا خارجة منها لا محالة كما خرجت فرنسا - أي إنها سوف تخرج ولا تملك غير الجزيرة البريطانية إن بقيت لها، فعلام نربط مصايرنا بمصير مظْلَمٍ يُفزّع أهله منذ وضعت الحرب الأخيرة أوزارها؟ وكان ينبغي أيضاً أن لا يغيب عن أذهان أولئك الأذكياء أن هذه الفرصة إذا أفلتت فلن تعود، فإن إنجلترا اليوم لا تملك أن ترغمنا على شيءٍ، وإنها لتهددنا وتبدى وتعيد في تهديدها، ولكننا إذا صبرنا وعزمنا وأبينا ميسمَ الذل الذي تريد أن تسمنا به، فهي لن تملك إلا التسليم بلا قيد أو شرط. فكان عليهم أن يكونوا أبصر بخير هذه الأمة المجاهدة المصرية، وأجرأ على تلك الأمة الإنجليزية، ولو فعلوا لرأوا عجباً، فإننا إنما أُتينا من قبل الخوف والهيبة والعجز عن إمضاء العزيمة على وجهها ولكن لم يفت الأوان بعد، فاحملوا على أنفسكم أيها المفاوضون المصريون واملأ قلوبكم إيماناً بالله، وإخلاصاً للوطن، وأجمعوا رأيكم وارفعوا النير عن هذا الشعب بالإباء والأنفة والحميّة، ورفْض المفاوضة والمعاهدة، فإن إنجلترا لن تملك يومئذ صرفاً ولا عدلا، فإن لم تفعلوا فالله من ورائكم محيط. وأحذروا غضبة الشعوب فإن لغضباتها مواسم ككيّ النار هي ذل الدهر وسُبة الأبد.