للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأفاعيها من نفايات الأمم وحثالات الشعوب، وأن يكون وجودهم بيننا معواناً لهم على تفريق كلمتنا وتشتيت قلوبنا، وأن يظل المصري يحس بهذا الإحساس القبيح الذي يوهن القوى، وهو أنه غريب في بلاده.

أما الأساس الثالث: فهو شيء باطل كله لأنه مبني على الثاني، ولأنه شيء لا مثيل له تاريخ معاهدات الدنيا كلها، ولأن أخطاره على مصر أخطار موبقة. فإن كلمة القوى هي العليا، فإذا قلنا لإنجلترا إننا نرى كذا وكذا وقال إنجليز هذا المجلس، كلا إن هذا ليس لنا برأي! فمن يكون الفَيْصل بيننا يومئذ؟ أليست هي قوة الإنجليز نفسها؟ وإذا كانت مصر تخرج اليوم من استعباد خمس وستين سنة، فهل تظن أن الرجال المصريين الذين سيضمهم هذا المجلس، سوف يكونون أو يختارون إلا ممن ترضى عنهم إنجلترا وتقول إنها تستطيع (العمل معهم)؟ هل يظن غير هذا عاقل؟ يا لهذه من سخرية بنا وبعقولنا وبعقول كل من يقرأ هذه السفسطة الإنجليزية!.

أما الأساس الرابع، فإن مصر لم تعترف قط باتفاقية سنة ١٨٩٩ ولن تعترف بها، وهذه المعاهدة تريدنا أن نعترف بها، وتريدنا أيضاً أن نرضى سَلفاً عن أبشع المبادئ التي لا عقل فيها، وهي بتر جنوب مصر عن شمالها. فالسودان ليس أمة نحن مستعبدوها بل هي جزء من مصر من أقدم عصور التاريخ، وهي أهم لمصر من مصر نفسها بشهادة عقلاء الساسة من إنجليز وغيرهم. ولو فرضنا أن فئة أضلتها الأموال الإنجليزية والوعود البريطانية والأكاذيب الملفقة، قامت في السودان وقالت: أنى أريد أن أكون أمة وحدي ودولة وحدي، فهل يُقبل هذا إلا إذا قبلت إنجلترا أن تقوم أسكتلندة - وبين الإسكتلنديين والإنجليز من الفروق ما لا يوجد مثله نين مصر والسودان - فتقول: سوف أكون لأمة وحدي ودولة وحدي. افترى إنجلترا تقول يومئذ نعم ونعمة عين وتخلي بينهم وبين ما يريدون، أم تخضعهم يومئذ بقوة السلاح وبالحديد والنار كعادتها في كل بقاع الدنيا؟ ونحن ولله الحمد ليس بيننا وبين السودان مثل هذا، بل السودان كله، إلا من طمس مال الإنجليز قلبه، كلمة واحدة على أنه جنوب مصر لا أنه أمة واحدة أو دولة واحدة. إن مصر لا تستطيع أن تفرط في بتر السودان من جسمانها، فإن في ذلك هلاكها وهلاك السودان جميعاً. فليقلع عن هذا الرأي كل من غفل عن حقيقة الوطن المصري أو الوطن السوداني،

<<  <  ج:
ص:  >  >>