أما الأساس الثاني: فإن مصر تقول إن بلاء البلاد المتاخمة لمصر هو كبلائها مِثلا بمثل، فالإنجليز هم الجاذب الداعي إلى أن يعتدي عليها معتدٍ طاغٍ يريد أن يضرب إنجلترا في مكامنها، كما كانوا سبباً في عدوان الألمان والإيطاليين على مصر في الحرب الأخيرة السالفة. فلماذا يريد الإنجليز أن يتخذوا أعواناً وأنصاراً على إذلال جيراننا، وأن يجعلونا نعترف ضمناً بأن لهم حق الدفاع عن هذه البلاد التي سلطوا عليها بَغْي استعمارهم؟ ولماذا تسفك مصر دماء أبنائها في سبيل المحافظة على هذه الإمبراطورية التي ملأت رحاب الأرض جوراً؟
ثم إن هذا العدوان إذا وقع، فهو النذير العريان بالحرب العالمية الثالثة، والمعتدى فيه معروف منذ اليوم للإنجليز ولغير الإنجليز. والأسباب الداعية إلى انفجار هذا البارود راجع إلى أسباب أخرى غير الرغبة في التوسُّع. وهو جشع الاستعمار القائم اليوم في هذا الشرق الأوسط والشرق الأدنى والهند. يوم يقع هذا العُدوان فالدُّنيا كلها ستهبّ هَبة رجل واحد، ولا يدري أحدٌ منذ اليوم كيف يكون الأمر غداً وأين تكون مصلحته، فعلام تريدنا إنجلترا أن نتعجَّل، وأن ندخُلَ نحن في حروبها التي ضرَّمتْ نيرانها منذ كانت، وأن نفرض على أنفسنا منذ اليوم قيداً لعلْ غداً يأمرنا أن نعيد إلى خلافه حتى لا نكون طعمة للمنصور إذا كانت إنجلترا هي الخاسرة؟ أليس يقول لنا ذلك المنصور يومئذ، لقد قاتلتموني وحاربتموني فأنا أستحلّ دياركم وبلادكم وأقداركم بحكم الفتح؟ فماذا تقول مصر يومَئذ؟ ومن زعَمَ أن سياسة الدنيا سوف تجري غداً على النهج الذي جرت عليه حتى اليوم، فقد أنكر عقله وأنكر تلك القوى العاملة التي تؤثر في سياسات العالم. ثم لماذا تريد إنجلترا أن تكون قيِّمة على مستقبلنا ونحن شعبٌ حيٌّ حرٌّ يريد أن تكون بلاده ملكا له ليتوخى لها مراشدها التي ينبغي أن يتوخاها؟ وإذا كان الإنجليز يؤمنون بأن مصلحتنا غداً ستكون في أن نكون معهم يداً واحدة، فعلام الجزع إذن؟ أو يظنون إننا نخرج غاصباً من بلادنا ثم ندعها نُهْى تتعاورها أيدي لصوص الأمم فلا نؤازرهم فيما نرى أن لنا فيه منفعة وصلاحاً؟ اللهم إن الإنجليز يعلمون أننا على حق في هذا كله وأنهم هم المبطلون، وإنما يريدون بهذا النص أن يمكثوا في بلادنا سادة يستضعفوننا ويمنعوننا أن نفعل في بلادنا ما نريد، أي أن نظل أمة لا جيش لها، ولا مصانع فيها ولا قوة لها، وأن تظل (مجالا حيويا) لهل ولأشياعها