المخلصون من الكُتاب الذين يظنون إن التساهل والتغاضي لا بأسَ به ما دُمنا لا نملك أسطولا ولا طائراتٍ ولا سلاحاً ولا قنابل ذرّية، وأنه لذلك لابد لنا من أن نحالف حليفاً قوياً ينصرنا إذا بُغي علينا، ويردّ عنا إذا زحف عدو إلينا - ليأذن لنا أولئك جميعاً أن نتكلم بلسان مصر المظلومة المهضومة، فإنها هي وحدها التي ينبغي أن تنطق وتقول، فإن قولها هو القول الفصْل - لا قول العلماء الذين يرون أن لا علم إلا علمهم، ولا قول أصحاب المال والسلطان ولا قول المتهاونين الذين يرضون من نيل الحق ايسر ما ينال.
إن هذه المعاهدة الجديدة التي تمخضت عنها المفاوضات الطويلة تقوم على أربعة أساس:
الأول: أن الجلاء سيتم بعد ثلاث سنين
الثاني: أن تعد مصر بأن تقوم مع إنجلترا بالعمل الذي تتبيّن ضرورته في حالة تهديد سلامة أي دولة من الدول المتاخمة.
الثالث: مجلس دفاعٍ مشترك يقرّر الرأي في الذي سموه (تهديد السلامة) وجعلوا له حق تنظيم الأسباب التي تسهّل مهمة اشتراك الجيش المصري مع الجيش الإنجليزي في الحرب.
الرابع: أن تكون الأهداف الأساسية في مسألة السودان هي تحقيق رفاهية السودانيين وتنمية مصالحهم وإعدادهم (إعداداً فعلياً) للحكم الذاتي، وممارسة حق اختيار النظام المستقبل للسودان، والى أن يتم ذلك بعد التشاور مع السودانيين تظل اتفاقية سنة ١٨٩٩ سارية وكذلك المادة ١١ من معاهدة ١٩٣٦ - هذا محصِّل ما تقوله المعاهدة الجديدة.
ومصر تقول إنها لا تثق بالمواعيد الإنجليزية المتعلقة بالجلاء فقد بلتْ ذلك أكثر من ستين عاماً فلم تر إلا شراً، وإنها لا تريد أن تُقِرَّ ساعة واحدة للإنجليز بالبقاء الشرعي في بلادها فكيف ترضاه وتوقع عليه وتعترف بشرعيته ثلاث سنوات طوالا. وتقول إن تحديد السنوات خداع وبيل العواقب غير مأمون المغبة فإنها لا تدري ماذا عسى أن يكون غداً أو بعد غد، وان الإنجليز قادرون إذا شاءوا على الجلاء في أقل من ستة أشهر جلاء كامل عن كل بقعة من بقاع هذا الوادي، فالإطالة مُرَادَةٌ لنفسها لأسباب جهلها من جهلها وعلمها من علمها. وقبيح بامرئ ذاق الذل من وعود الإنجليز ستين عاماً أن يجهل شيئاً عن مثل هذا الوعد المدخول المكتم بالأسرار.