ولا ينتهي الرجل إلى هذه النتيجة وحدها، عن هذا الطريق الملتوي المليء بالمغالطات، إنما ينتهي إلى نتيجة أخرى - لعلها هي التي قادته إلى سلوك هذا المسلك المريب؛ ولعلها كانت رائدة في كتابه وفي حياته. . . تلك أن العنصر الأخلاقي يجب أن ينفى من الحياة. فكل ما يقال له روح وضمير وخلق ودين. . . إن هو إلا (أغلال) ومعوقات وتعلات فارغة لا تجدي؛ والمعول في الحياة على القوة المادية: قوة الصناعة والتجارة والمال!
ولعل الرجل يطبق في كتابه وسلوكه تلك المبادئ الذهبية! أقول عجبت من أن يبذل الأستاذ مظهر إعجابه كله لمثل هذا الكتاب المريب في هذا الأوان، إلى درجة أن يستخفه الإعجاب، فيفارقه ما عرف به من النفاذ والتؤدة والاتزان. . . ولكن أخيراً تكشف لي السبب، فبطل مني العجب؛ وذلك في كلمة افتتاحية في المقتطف الأخير عن كتاب (هذي هي الأغلال) أيضاً!
إن الأستاذ إسماعيل فيما يظهر قد استغرقته الدراسات الفلسفية والدراسات العلمية - وفي أوربا خاصة - فلم يجد وقتاً يتتبع فيه الحركة الفكرية في الشرق العربي - وفي مصر خاصة. فظل يعتقد مخلصاً في اعتقاده أن أهم ما يشغل بال المسلمين في الآونة الحاضرة من أمور دينهم ودنياهم مسائل من نوع:(الكلام في مثل ما تكلم فيه السيوطي في كتابه (كشف المعمى في فضائل الحمى) وكتابه (الطرثوث في فضل البرغوث) أو ما تكلم فيه ابن حجر العسقلاني في كتابه (بذل الماعون في فضل الطاعون) أو ما ترى فيه كتب المناقب وغير كتب المناقب في الخرافات التي تهلع لها قلوب الأحرار، والأساطير التي تهتز لها الأرض وتفزع السماء، أو البحث في من يحمل فوق ظهره قربة ملئت فُساءً هل تصح صلاته بها أم ينتقض وضوؤه) كما كتب في هذه الافتتاحية العجيبة!
وهذه هي الخرافات التوافه التي أخذ المؤلف يبدى فيها وفي أمثالها ويعيد، ويصم التفكير الإسلامي كله بأنه يصدر عنها؛ ثم أخذ ينازلها كما نازل (دون كيشوت) طواحين السماء، ويشقها بسيفه كما شق (دون كيشوت) زقاق الخمر! والتي خيل للأستاذ مظهر أنها كذلك تشغل بال المسلمين في هذه العصور، فأخِذ بالقوة التي يهاجمها بها مؤلف الأغلال، فقال:
(أنتصر لهذا الكتاب، لأني أشتم فيه ريح القوة والجبروت والعزة التي هي من صفات