وهنا زال عجبي وعرفت القصة. فالأستاذ إسماعيل مظهر بقدر ما هو عالم ومطلع في الفلسفة الحديثة والعلم الحديث، بعيد كل البعد عن حركة الفكر الإسلامي في القديم أو في الحديث. فكل حديث عنها في نظره إعجاز وإبداع!!
ومثل إعجابه البالغ الذي لا يتحفظ فيه بهذا الكتاب كمثل من يعجب أشد الإعجاب برجل يشنها حرباً شعواء على من يقولون: إن الأرض محمولة على قرن ثور. فما تزيد معظم الخرافات التي تصدى لها المؤلف في أهميتها اليوم وفي مقدار اعتقاد الناس فيها، على اعتقاد بعض العامة أن الأرض محمولة على قرن ثور!
ويا ليت إخلاصاً يبدو في ثنايا الكتاب، حتى مع هذا التمحل وهذا التزوير المدسوس على عقلية الشعوب الإسلامية في العصر الذي نعيش فيه؛ إنما هنالك الريبة التي تخالج القارئ حين يذهب في القراءة إلى النهاية، فيشم رائحة غير نظيفة تشيع بطريقة ملتوية خبيثة، رائحة إشعار الأمم الشرقية بأنها لا تستحق وراثة الأرض، ولا تستحق سوى العبودية والذل، وأن الأمم الأوربية هي التي تستحق هذه الوراثة، وأن العرب خاصة في حاجة إلى حماية الإنجليز والأمريكان لهم، لأن الخطر الصهيوني يتهددهم وهم عُزل من كل قوة، ولا سند لهم إلا قوة خصومهم من الإنجليز والأمريكان!
ترى هذه هي (ريح القوة والجبروت والعزة التي يتحدث عنها الأستاذ إسماعيل؟ اللهم إن رجلا بعيداً عن كل اتصال بحركة الفكر الإسلامية، راعته البديهيات الساذجة التي يسوقها رجل مريب، فلم ينتبه في - زحمة الروعة - لهذا العنصر المريب!!
وكتب الأستاذ (عبد المنعم خلاف) في عدد (الرسالة) الماضي يشير إلى ما نبهت إليه من سرقة المؤلف لأفكاره في كتابه (أومن بالإنسان) وادعائه أنه لم يسمع بموضوع هذا الكتاب!
قلت في كلمتي بمجلة (السوادي) إنني لم أحترم هذا التجاهل، لأنه ليس سمة الباحثين المخلصين. وقال الأستاذ عبد المنعم بعد أن قرر أنه فرح لانتشار فكرته التي دعا إليها ست سنوات، فكرة الإيمان بالإنسان والاعتقاد بأن الحياة صادقة.
(ولكن ما لبثت هزة الفرح والابتهاج أن انقلبت إلى أسى ووجوم واشمئزاز إذ رأيت الكتاب