يخلو من أدنى إشارة إلى تسجيل سبقي في هذه الدعوة، وإذ رأيت صاحبه مع ذلك يحدث ضجة مفتعلة حوله، ويصدر غلافه بهذه الجملة:
(سيقول مؤرخو الفكر: إنه بهذا الكتاب قد بدأت الأمم العربية تبصر طريق العقل. وإنه ثورة في فهم الدين والعقل والحياة. . .) كأن مؤرخي الفكر عميان لا يتلمسون مصادر الآراء!
(وإني أعجب كيف يجرؤ كاتب أو مفكر يحترم رأي الناس، ويستحي من نفسه أن يسبق التاريخ ويصدر حكمه على عمله بهذه الدرجة من الافتتان والزعم!
(إن المفكر الواثق من أنه أتى بجديد حقاً، يضع آثاره بين يدي التاريخ في صمت، ويدع له أن يحكم، ولا يتعجل الحكم حتى تعلنه الأيام سواء في حياته أو بعد مماته. . . والمفكر الأمين الثقة الغيور على الحق وحرية التفكير يترفع عن أن يغمط حق غيره، وعن أن يغطي جهود من سبقوه بالدعاوة الجريئة لنفسه، لأن هذا إن جاز في مجاز الإعلان عن المتاجر والمهن، فلن يجوز في رحاب الفكر والخلق.
ولكن ما للمؤلف وللحديث عن الأخلاق، وهو كما روى عنه الأستاذ سيد قطب في مجلة (السوادي) يرى (أنه يجب أن ننفي العنصر الأخلاقي من حياتنا، فالحياة لا تعرف العناصر الخلقية، ولا قيمة لها في الرقي والاستعلاء).
والأستاذ عبد المنعم يحاكم الرجل إلى مبادئ ومثل يقول هو عنها: إن التشبث بها هو سبب تأخر الشرق وجموده. فما الخلق؟ وما الضمير؟ وما الحياة؟ إنها كلها (أغلال) تقيد الخطو وتخلق العثرات. إنما المهم كما يقول هي الأخلاق الصناعية والتجارية والمالية!!
والواقع أنها جرأة عجيبة، ولكن لماذا لا يجرؤ الرجل، وفي مصر كتاب كبار لا ينتبهون لهذه الجرأة العجيبة، فيسبغون على فكرة مسروقة ومستغلة استغلالا مريباً كل هذا الاهتمام والإعجاب؟
ولكنني أعود فأستدرك، فلعل هناك اتهاماً للأستاذ عبد المنعم، وطعناً في ضميره وخلقه ووطنيته حين نذكر أن فكرة الأغلال مسروقة من كتابه (أومن بالإنسان).
إنها مسروقة نعم في عمومها وفي الكثير من قضاياها، ولكن الأستاذ عبد المنعم كان يعالج فكرته في استقامة ونزاهة، ويحسب للدين وللخلق وللضمير حسابها في قيم الحياة، وحين