الصين التحررية حتى سافر إليها يعمل إلى جانب جيوش الوطنيين في سبيل المثل الأعلى الذين يدافعون عنه. وعندما قامت الثورة الأسبانية الجمهورية بادر بالسفر إلى أسبانيا ليعمل في جيوش الجمهورية الشابة كطيار مدافعاً عن سماء مدريد الشهيدة. وأخيراً لم تكد تخر فرنسا على ركبتيها عام ١٩٤٠ صريعة الخيانة حتى عاد مالرو إلى حياة الكفاح العملي فأبى أن يهجر وطنه في محنته وانضم إلى العصابات الفرنسية الداخلية ليكافح الغاصب. وعلى رغم هذه الحياة المضطربة الخطرة لم يهمل مالرو قلمه وهو سلاحه الأول للتعبير عن تفكيره فاشتغل في كتابة قصة طويلة من ثلاثة أجزاء بعنوان:(الصراع مع الملاك) ' وانتهى من الجزء الأول وهو (أشجار التبرج) ' الذي نشر في سويسرا عام ١٩٤٣
كانت أول أعمال مالرو إصداره كتاباً صغيراً بعنوان:(إغراء الغرب) ' وهو عبارة عن رسائل يقارن فيها الكاتب بين المدنيتين: الشرقية والغربية، ونحس حين قراءتها بألمه وخيبة آماله في مدنية الغرب. وسرعان ما لفت هذا الكتاب الأنظار إلى مؤلفه الذي أحس النقاد بنواحي التجديد في تفكيره وما يختزن في صدره بما يبشر بظهور لون جديد من ألوان الأدب العالمي. وفي عام ١٩٢٨ ظهر كتاب مالرو الثاني الفاتحون وهو أقرب إلى تحقيق صحفي منه إلى قصة. وفي عام ١٩٣١ ظهر كتابه الثالث (الطريق الملكي) وفي عام ١٩٣٣ أخرج مالرو قصته: (الطبيعة الإنسانية) التي نال بها جائزة جونكور لذلك العام؛ وهي أكبر الجوائز الأدبية الفرنسية.
وتفكير مالرو الذي يسيطر على جميع أعماله يتحدد منذ صدور كتابه الفاتحون ثم يجلو ويبلغ أقصى وضوحه في (الطبيعة الإنسانية). كانت هاتان القصتان حدثاً جديداً في الأدب الغربي إذ لم يسبق أن عالج الفن القصصي مشاكل المدنية الغربية بالطريقة التي عالجها بها مالرو في هذين الكتابين، وسار على نهجهما في كتبه التالية؛ وذلك من حيث التجديد في الفكرة وحرارة الأسلوب وطهارة الإخلاص.
يرى مالرو أن الإنسان منذ فجر التاريخ يميل (بطبيعته) إلى الثورة على الأمر الواقع وتحسين الحالة الراهنة واكتشاف ما يحيطه من المجهول، وكانت الأديان أقوى وسيلة لتهدئة هذا الجموح الطبيعي وإطفاء هذا الغليان الغريزي، وظل تأثيرها قويّ المفعول مدى قرون طويلة وأحقاب عديدة. ولكن الآن والمدنية الغربية قد بلغت مرحلة لا احترام فيها