غير من له بصيرة عمر وذكاؤه، ولو سمعهما غيره لظنهما شعراً ينشد وكفى ولكن عمر الدقيق يصل إلى المراد بألمعيته المتوقدة.
وطاف ذات ليلة ببعض خيام المدينة فسمع أعرابية تنشد:
تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لزلزل من هذا السرير جوانبه
وبت ألاهي غير بدع معلن ... لطيف الحشا لا يجتويه مصاحبه
يلاعبني طوراً وطوراً كأنما ... بدا قمر في ظلمة الليل حاجبه
يسر به من كان يلهو بقربه ... يعاتبني في حبه وأعاتبه
فسأل عنها فقيل إن زوجها غائب في جيش القتال من عام، فذهب إلى زوجته وسألها كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: مائة وعشرين ليلة، فأمر أن يمكث المتزوج أربعة أشهر ويستبدل به غيره. ولو أردنا أن نستقصي ما ورد عن عمر من هذا القبيل لطال بنا حبل الكلام.
على أن ذوق الأديب يظهر واضحاً في قوله، وكذلك ذوق عمر، فقد كانت عبارته ممتعة، ورده بارعاً، مر يوم بمنزل أنيق فقال: لمن هذا؟ فقيل لعاملك فلان، فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها. وتنازع عبد الله وعاصم أبناه، فسألاه أيهما أفضل من أخيه، فقال أنتما كحماري العبادى، قيل له أي حماريك شر؟ فقال هذا ثم هذا! وقال: الكوفة جمجمة العرب، وكنز الأمصار، ورمح الله في الأرض) وكتب الأدب مملوءة بلآلئ عمر الفريدة فليقتنصها من شاء.
رحم الله الفاروق، فلقد كان فذاً في سياسته، فذاً في أخلاقه، فذاً في أدبه ونقده، ولله ما أصدق الحطيئة حين قال فيه:
ما آثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الإثر