فعلى الجامعة إذن أن تستعيد السيادة على نفسها. عليها أن تضع حداً للتخصص المفرط وتوسع نطاق التعليم الفني. وعليها أن تبذل عنايتها، لا في تخرج علماء وقتيين فحسب، بل في تكوين رجال بأوسع معاني الكلمة وأجدرها بالفهم والإنسانية، رجال لا يبحثون إلا عن الحقيقة، ويعرفون أنه لا يمكن بلوغها إلا في جو من الحرية
وسيتخذ النضال ضد الفاشية مكانه ضمن نطاق الحياة الجامعية فوراً وبصورة طبيعية، لأن الفاشية إذا كانت قد انهزمت عسكرياً فتوارت عن المسرح السياسي مؤقتاً، فإنها لا تزال تعيش بين ظهرانينا بشكلها المزدوج وهو الكذب وروح الشدة والاقتسار، فينبغي الاستمرار في مكافحتها تحت هذا الشكل المزدوج.
أما الجامعة، فهي المكان الذي يعارض فيه الكذب بالبحث الأمين المجرد عن الحقيقة. الجامعة هي المكان الذي يمكن فيه إلحاق الهزيمة بروح الشدة والاقتسار عن طريق هذه الحرية التي يطالب بها الفكر بإلحاح كأعظم النعم الإلهية.
فعلينا إذن أن نعيد في الجامعة، إلى الحقيقة والحرية، الإجلال والقدسية، وذلك بأن نقصي عنهما كل من قاد زمامهما بالاستسلام إلى الخداع والتهديد أو التضليل
يجب المطالبة والظفر بإكبار الحقيقة وتمجيدها وحتى إعلانها في الجامعة ولا سيما حين لا تروق في عيون ذوي السلطان في الأرض.
يجب أن تكون الجامعة حصناً للحرية، وعلينا أن نطالب وأن نظفر بعدم التنكر لها في الجامعة، وينبغي ألا نضن بالحرية إلا على أولئك الذين يرغبون في استخدامها من أجل قتلها
وعندئذ تمسي الجامعة هيئة يصبح أعضاؤها ويشعرون شخصياً أساتذة وطلاباً أنهم مسئولون عن الشكل الذي يؤدون به رسالتهم الاجتماعية، وسيصبحون ويشعرون أنهم أعضاء نخبة ممتازة مدعوة إلى قيادة العالم نحو مصير أفضل، نخبة ممتازة لا تباعد فيما بين أفرادها الحدود السياسية، وسيكون هذا أولى الصور لهذا المجتمع الدولي الذي سيجنب وحده أوربا كوارث جديدة
وسيكون في وسع البشر أن يصبحوا أخيراً، في عالم حر مغرم بالحرية، سادة مصائرهم، وسيكف التقدم العلمي والرقى الفني عن ترويعنا، ويستخدمان عندئذ لجعل الحياة أقل