مراتبهم لا فائدة فيهم لأنفسهم ولا للآخرين، توجيه هؤلاء نحو هذه الأشكال الأخرى وإعدادهم لها بصورة تدريجية
ولا يمكن بلوغ هذه النتيجة إلا بقلب الوضع الحالي رأساً على عقب، وهو قلب لا تستطيع تحقيقه إلا الدولة، وذلك بإدخال الدراسات العليا ضمن نطاق الوظائف الاجتماعية واعتبار النفقات التي تتطلبها بين تلك التي على المجتمع أن يحتمل أعباءها في سبيل المصلحة العامة
وفي هذا المعنى ينبغي الاعتراف بأن قطراً واحداً قد اقتحم المشكلة بكل اتساعها إلى الآن، ألا وهو الاتحاد السوفياتي
ولقد كانت التقاليد في الأقطار الغربية حائلاً دون أي تجديد. وسنرى عما قريب ما إذا كانت هذه التقاليد التي نعتز بها بحق، ستعرف أن تكون نقطة الانطلاق لنظام جديد يتلاءم فيه الماضي المجيد مع مقتضيات الوضع الجديد
وليس من شك في أننا سننجح بهذا الثمن فقط في الإبقاء على مركزنا على رأس الحركة نحو التقدم الاجتماعي وفي إنقاذ ما تبقى من حضارتنا
وينبغي أن تتجدد الجامعة لا في انتخاب الطلاب فحسب، بل في جهازها الداخلي أيضاً، وذلك لسببين اثنين يجب التسليم بهما:
أولاً: لأنها لم تكافح الفاشية دائماً عندما كان ثمة فسحة في الوقت لمكافحتها في المجال المذهبي كمبدأ لا يتلاءم مع أي شكل من أشكال الحياة الفكرية والبحث الحر عن الحقيقة
ثانياً: لأنها بالغت في تناسي دورها في تكوين العقول وخلق معنى مسئولية الفكر تجاه الوقائع والتاريخ
لقد كونت الجامعة أساتذة فلقنتهم أغمض أسرار الرقى الفني وفتحت أمامهم مسالك العلم السرية، ولكنها أغفلت توجيه انتباههم نحو الخير والشر للذين كان في مقدور العلم والرقى الفني دفعهما إلى البشر، وإفهامهم أنهم مسئولون إلى حد ما عن هذا الخير والشر. ولقد أهملت إفهامهم أيضاً أنه ليس من حقهم التجرد وعدم المبالاة بالروابط التي تربط دراساتهم بحياة البشرية، وتراخت عن تلقينهم أن جهودهم لا تكون نبيلة ولها ما يبررها إلا إذا كانت تتوخى عيشة أفضل للإنسانية جمعاء.