لا أستبعد أن يرى بعينيه النقادتين الحادتين من الضعف فيما أكتب إليه خاصة ما لا يراه فيما أكتب إلى الآخرين، فيحاسبني في حاضره حساباً عسيراً على مستقبلي: وإذا نفخة واحدة من نفخات قلمه العاصف - وهو يهتز تأثراً - تذهب بجميع ما يستوقده أدبي الناشئ من نار، وما يحاول أن يرمي به من شرر، فلا ألقى بعد إلا يأساً في قرارة النفس عميقاً، وزهادة بين الضلوع موغلة، وأستوحش شيئاً فشيئاً من الأدب والأدباء، ومن الكتابة والكاتبين.
لا. لست متشائمة يا صديقتي. . . ولا والله ما أحب أن تتشاءمي من حديثي هذا إليك؛ فإني لأعلم أنك - بعد أن تقدمت إلى الأستاذ الطنطاوي بمقالك الجريء الذي أحسنت سبكه وأحكمتِ ربطَه، وعرفتِ بأي لطف وظرف وكياسة تَعرضينه - لن تراعي إذا ما جلجلت مقالات الأستاذ من جديد، فإنها إذا خَطفتْ ببرقها بَصَرَكِ، أو أصمّت برعدها سمعك، لن تزيد في زلزالها عما تعودت من قوتها وتهدارها، ولن يهولَكِ فيها إذاً آتيها بعد الذي مضى، ولا مُقبلها بعد الذي خَلا. . .
ولكن. . .
إن يكن في وسع سيدتي أن تصبر على حملات (الطنطاوي) بعد أن تثيره، فليس في وسعي ولا أحب أن يكون في وسعي أن أصبر على حملة من حملاته من غير أن تخضلَّ عيناي بدموع من الإخلاص سواكب، لأني آمنت بأنه لا يحمل إلا إذا كان على حق، وأيقنت بأن الحدة لا تخرج دفاقة من بين ثنايا مقالاته إلا إذا آلمه الشيء النكر؛ وأنَّى لمثلي - وهي التي يوشك أن يجرفها التيار كما جرف الكثيرات من قبل - أن تصبر على جراح قلم سِلْم للحق، حرب على النكر؛ يجاهد في سبيل الله ولا يخاف لومة لائم!.
إني - على إعجابي بما جاء في مقالك يا صديقتي - لمقتنعة بسداد الأستاذ في موضوعه (مناظرة هادئة) وما سبقه من الموضوعات في معناه: إذ مهما يكن الرجل قواماً على المرأة، ومهما يكن حاملاً من أوزارها، فلتقعنَّ على عاتقها تبعات كثيرة، ومسئوليات جسيمة، ولاسيما إذا كانت مثقفة، عالمة بأوضاع الحياة المختلفة. وإذاً لا غرابة إذا أرسل الأستاذ (الطنطاوي) شُواظاً من نار كلماته الغَضبى على سواد المتعلمات اللاتي أهملن رسالاتهن بعد عرفانها، ونقضن مواثيقهنَّ بعد توكيدها، فاستحققن من (الطنطاوي) وغيره