واللى يعيش يَاما بِيْشُوْف ... واللى بِيمْشى بِشُوف أكتَرْ
ومن ولوعه بحدبته شرع في جمع كتاب في نوادر الحدبان وما قيل فيهم من الأشعار، وتراجم مشهوريهم، أخبرني أنه جمع منه جزءاً إلا أنه لم يتمه
ونقل والده مدة محمد توفيق باشا الخديو من الديوان إلى المحاكم الأهلية قاضياً، وتوفي يوم الثلاثاء ٢٩ المحرم سنة ١٣٠٧ وخلف له ولاخوته ضيعة بالصعيد أصاب المترجم منها ستون (فداناً) باعها وبدد ثمنها بالإسراف حتى احتاج للاستخدام بديوان الأوقاف بمرتب قليل دون الكفاف، وعاش في ضيق ومضض بعد ما تعوده من السعة والرفاهية، وأخذ يتقرب للخديو بنظم التواريخ في كل عيد واحتفال وحل وترحال وينشرها في صحف الأخبار رجاء أن تبلغه فيأخذ بيده فلم يستفد شيئاً وراح تغزّ له في الريح، وكان قصر شعره في أواخر عمره على هذه التواريخ فنظم منها الغث والسمين. وكنا إذا قرب عيد أو سفر أو قدوم للخديو لا ننتفع به لاشتغاله بالنظم والحساب وإعمال الروية فيصير هذا ديدنه في غدوه ورواحه وقيامه وقعوده حتى يمن الله عليه بشيء يرتضيه
وترك له والده غير الضيعة داراً بسوق الزلط بيعت أيضاً، وترك خزانة كتب كبيرة قل أن تضارعها خزانة في نفائس الكتب ونوادر الأسفار، وهي التي أفنى عمره وماله في جمعها، وأتعب نفسه في تصحيحها وضبطها، وصبغ الورق وصقله لنسخ ما كان يستنسخه منها، فوق ما كان يتكلفه من السعي في البحث عنها في الخزائن المهجورة وعند الورّاقين، واتخذ له في داره مصنعاً للتجليد، واستخدم عدة نساخ أجرى عليهم المرتبات فاختصوا بالنسخ له لا يشتغلون لسواه، وكان هو وعبد الحميد بك نافع من أدباء القرن الثالث عشر يتباريان في ذلك ويتسابقان. أخبرني المترجم عن والده أنه بلغه أن تاجراً من الورّاقين قدم من سفر بكتب أوصاه عبد الحميد بك نافع بجلبها له وبينها ديوان البحتري وكان اذ ذاك لم يطبع بل لا يعرف في مصر إلا باسمه، فأسرع إليه وبذل له مالاً فوق قيمة الديوان على أن يعيره له يوماً وليلة فقط يطالع فيه، فرضى وأعاره إياه، فلما أتى به لداره أعطاه لمجلده ففك له تجليده وأحضر في الحال عدة نساخ فرقه عليهم كراريس فنسخوه وقابلوه، ولم يمض اليوم والليلة إلا وقد ردت النسخة الأصلية لصاحبها مجلدة كما كانت، ثم قابله بعد ذلك عبد الحميد بك وأخذ يفاخره بوجود الديوان عنده واختصاصه به، فقال له خفّض عليك يا أخي