بالصلاح الذاتي والاختصاص بالقدرة على حمل رسالة الحضارة
وقصور علم الإنسان (أنثروبولوجي) عن إدراك الفروق الروحية بين الأنواع لا يسمح لنا بالاعتماد عليه في تفضيل قوم على قوم والفروق البدنية لا تكيف الحضارة، لأن أغلب الأنواع خليط من دماء وأجناس مختلفة قبل الحدود الأخيرة
وإنما الحضارة بجميع نتاجها المادي والأدبي أثر للحالات النفسية وغير لازمة للصفات البدنية التي تميز قوماً على قوم. وهذا مصداق للقانون القرآني:(إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم)
وتداول العلم والجهل دليل على استعداد مشترك ومتساو للخير والشر، وهو يشير إلى وحدة الروح وتساويها، وبعبارة أخرى وحدة القوى الذهنية أو تشابهها. وهذا يكفي لنفي امتياز عنصر على عنصر بصفات ذهنية تجعل لأحدهما رجحاناً دائماً.
ومتى وضح ذلك انهارت الدعاوى العنصرية وانهار معها مبدأ القوة كسند للحضارة. فالقول بالحق للأقوى هو قول يرجح بعض الأقوام على بعض دون سبب طبيعي، ويبيح استبداد القادرين بالمستضعفين، وهو أمر تأباه الحقيقة الدينية والشريعة المحمدية خصوصاً كل الإباء، فهي قد جعلت الناس سواسية، وجعلت الوصاية للأتقى والأبر
وقيام المدنية ودوامها رهين بالقانون القرآني (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فما من قوم خرجوا على الدنيا برسالة العمران والعرفان إلا كانوا مهيئين لذلك بإيمان قوي وأدب قوي ودعوة قوية. وذلك الإيمان والأدب والعرف الصالح هو بارود القذيفة تدفع الأمم بقدر ما فيها من قوة واستقامة. وساعة الفصل بين التقدم والتأخر رهينة بحلول السيطرة المادية محل السيطرة الروحية، حين تغلب شهوات الأبدان شهوات الأرواح ويتغلب الترف الذي يورث أهله الضعف عن حمل أمانات الحضارة
ولا منقذ لهذه الحضارة الحالية من وعيد الله، إلا أن يرزق الله العالم بقوم خماص البطون يحبون الكفاح للحق كما يحب المترفون المال والمتاع، ويرثون هذه الحضارة ويردون للدنيا ذلك العقل الضائع والإيمان القوي
ولابد من وضع نظام جديد للعالم يجعل الوصاية على الحضارة دائماً للأتقى، ولأجل ذلك