يجب أن نتحرر من النظريات القديمة التي كانت موضوعة للعالم قبل أن يضيق نطاقه وتتقارب مسافاته بسرعة النقل. والمدنية في رأي (كبلنج) هي النقل. وعلى ذلك يكون الفرق بين عالمنا والعالم القديم هو ما بين سرعة النقل في العالمين
ويجب أن نراعي في وضع النظام الجديد فروق السرعة بين ما في عالمنا وعالم الغد، فلا نضع نظاماً جامداً بل مرناً يسمح بالتصرف في الأزمان الآتية، وهذا يكون بوضع نظام سلبي نمتنع فيه بتاتاً عن تسليط ما بأيدينا من قوى التدمير والتخريب وعن مضاعفة العوامل التي اضطرب لها وجودنا، ولا أمل في شيوخ الساسة والعامة، بل الأمل في القدرة العليا التي جعلت الحياة الإنسانية مرنة تتكيف بحسب الظروف. ولنؤجل النظم المثالية المجردة ولنبدأ بعمل الواجب قبل المطالبة بالحق، ولندرب الناشئين على فهم ذلك، لأنه هو الطريق المجرب في الإصلاح دائماً، ولنجعل أعمال الواجب والتضحية هي أعمال الفخر والتقدير، ولنحول الغرائز ونتسام بها، ولنصلح الرأسمالية بعد أن تضاعف خطرها باستخدام الآلة التي ضاعفت من مشكلة التعطل، ولنضح بالاستعمار لنجاة الحضارة، ولنفهم أن عالمنا واحد لا يتجزأ السلم فيه، فيجب أن تكون له قيادة عالمية مشتركة تتدرج إلى حكومة عالمية. وسبيل ذلك أن نوجه النشء إلى أن تكون الحكومة العالمية هي أملهم وذلك باتخاذ تربية عالمية بجوار التربية القومية وبتعويدهم الغضب للمصلحة العالمية العامة.
ويجب أن نتعهد النواة الصالحة في (هيئة الأمم المتحدة) ونحذر اليأس ونصبر ونصابر حتى تصير هذه الهيئة محكمة حقيقية للأمم تضحي في سبيل استمرارها وقدرتها كثيراً من حقوق السيادة عن طيب خاطر.
في انتشار الدعوة
فصول هذا الباب الأربعة تعتبر ملحقاً بالكتاب يبين تاريخ انتشار الإسلام منذ ظهوره، والمقصود بهذا الباب هو دفع التهم والأوهام التاريخية في زعم أن الإسلام انتشر بالسيف والإكراه. ولابد من إدراك ما في هذه الفصول كخطوة أولى في سبيل فهم القوة الذاتية للإسلام، تلك القوة التي تدفعه إلى الانتشار بما فيه من الحق والصلاح والاقتناع، لا بالإكراه ولا بقوة السلاح.
وقد بين المؤلف تاريخ انتشار الإسلام في الوثنيين وانتشاره في الأمم المسيحية المحيطة