يدرسونه بشرح ابن عقيل، ثم بأوضح المسالك، ثم بالاشموني؛ ومن ثم نجد أن طابعه قد مثل في أذهانهم وتبويبه وترتيبه قد استقر فيها، فتجدهم لا يسيغون طريقة المفصل للزمخشري، ولا ينظرون في كافية ابن الحاجب، وأهملوا الكتب والأصول شر إهمال، فلم يدرسوا شيئا قط من كتاب سيبويه، ولم يعرفوا شيئا قط عن مقتضب المبرد، وكانت عقبى ذلك أن اتجهوا اتجاها خاصا هو اتجاه ابن مالك في بعض كتبه، وفاتهم بهذا الإهمال أن يوازنوا بين اتجاهه واتجاه غيره من النحاة في الترتيب والتبويب، فذلك عسى أن يقودهم إلى اختيار أي السبل أهدى وأقوم
وقد جنت هذه المتابعة على تلاميذنا شر جناية، لأن الأساتذة المؤلفين لم يكلفوا أنفسهم رهقا، فلم يبحثوا عن طريق غير الطريق التي رسمها لهم ابن مالك، ومن يدري فلعلهم لا يعرفون أن هناك سبيلا آخر يصل بهم إلى هذه الغاية.
ابن مالك - ومن ورائه مؤلفينا الفضلاء - يرسم كتابه على: الكلام وما يتألف منه - ثم المعرب والمبنى - ثم النكرة والمعرفة، ثم المرفوعات فالمنصوبات فالمجرورات - ثم التوابع.
مسلك الرجل في الكتاب مسلك من ينظر إلى الصنعة النحوية فقط، مسلك من يهمه آخر الكلمة رفع أو نصب أو جر، ولا يهمه تناسق المعاني، أو افتراقها، وتنافرها أو انسجامها. حسبه أن هذا الحرف ينصب فيجب أن يكون في باب المنصوبات وأن هذا الحرف يجر، فيجر إلى باب المخفوض، وهلم خلطا ومزجا والشر في هذا أكبر من أن يهون، فالتلميذ يعرف أن (لن) تنصب، ويعرف أن (لم) تجزم ويعرف أن (ليس) تنصب الخبر، وأن (ما) في النفي لا تعمل شيئا، وكذلك (لا) ولكنه إذا طلب إليه نفي جملة اسمية أو فعلية، دار بين هذه جميعها وحار، أينفى بلن، أم بلم. . . الخ. والجناية على المعاني جد عظيمة ولا تعدلها بحال الجناية على الضبط، فالذي يقول: لم يتفق المفاوضون، أخف جرما من الذي يقول لم المفاوضون متفقون، وإذن فلا بد أن تكون المعاني مساوقة للإعراب إصبعا إصبعا فيعقد باب للنفي تجمع فيه أدواته وتبين خواص كل أداة، وفي ذلك من اللذة والفائدة ما فيه. ولكن طريقة ابن مالك ومتابعيه لا تعبأ بهذا، بل ترمي (لم) في صندوق الجوازم لأنها تجزم، و (لن) في صندوق النواصب لأنها تنصب، و (ليس) في صندوق النواسخ ناصبة الخبر، ولا