للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحصيله. وكانت أيديهم تزخر في بعض الأحيان بالمال فينفقونه في اوجه الخير والبر.

الخلاف إذن في الغاية، هل العلم غاية في ذاته تطلب لذاتها أم وسيلة لغاية أخرى هي المال؟

ولا مراء في أن التضحية بالعلم والأدب في سبيل الأهداف المادية هو الانحطاط والإسفاف، ومن كانت غايته الثروة فليطلبها في تجارة السلع المختلفة فهي أكثر للمال إدرارا. ولقد حكى ارسطو في كتاب السياسة أن أحد فلاسفة اليونان الأقدمين عيره القوم بقلة ذات اليد والانصراف عن الدنيا , فاعتزم في نفسه أمرا، فذهب في الشتاء إلى أصحاب المعاصر واستأجرها منهم باجر زهيد، فقالوا: هذا مجنون ماذا يفعل بالمعاصر في هذا الوقت وليس لها عمل؟ فلما جاء الصيف، وأراد الزراع عصر العنب لاستخراج النبيذ، طلب منهم أجرة مضاعفة، ولم يسعهم إلا الدفع لأنه كان قد احتكر جميع المعاصر. وأثرى من هذا الأمر ثروة كبيرة، فاثبت للقوم أن الفلاسفة لو أرادوا المال لحصلوا عليه، ولكن بغير طريقة الفلسفة!

والسؤال الآن: هل نترك هذه الطائفة أحرارا في أعمالهم يسيئون إلى العلم والأدب، ويفسدون الذوق، ويشيعون الخطأ، ويذيعون الباطل، أم يوكل أمر الكتب إلى هيئة تميز بين الغث والسمين والصحيح والفاسد فلا تجيز إلا الصالح؟

يقول قوم نحن في عصر الديمقراطية وأساسها الحرية وعلى الخصوص حرية الرأي والفكر، فكيف تريد أن تحد من هذه الحرية التي ناضلت البشرية في سبيلها أجيالا طويلة؟ إنكم لو فعلتم ذلك، لرددتم الإنسانية إلى اظلم عصورها واحلك أزمنتها، يوم كان عقاب الأحرار أن تحرق كتبهم ويلقى أصحابها في غياهب السجون.

والقياس هنا مع الفارق، لأن فلاسفة القرون الوسطى كانوا يطلعون على الناس بثمرة أفكار جديدة ينتقدون فيها الآراء الشائعة من قديم الزمان، أما مؤلفو مصر في هذا الزمان، فإنهم لا يفكرون تفكيرا جديدا، ولا ينتقدون قديما، ولا ينتقدون كشوفا حديثة، بل يمسخون كتب غيرهم ويغيرون عليها.

مهما يكن من شيء، فأنا من أنصار الديمقراطية والحرية، ولا احب أن احجز على فكر الناس، ولا على الطريقة التي يذيعون بها أفكارهم، ولكن من واجب الناقدين أن يبصروا

<<  <  ج:
ص:  >  >>