الكومة التي أسسها، وإنه كان ينال باللسان ما قد يعجز عنه بالسنان.
وقال الماريشال سوليت الفرنسي في سنة ١٨٤٠ (لا يوجد الآن أحد في العالم يستحق أن يلقب بالأكبر إلا ثلاثة رجال كلهم مسلمون وهم: الأمير عبد القادر، ومحمد علي باشا، والشيخ شامل).
ولما وقعت دمشق حادثة سنة ١٨٦٠ عنى الأمير عبد القادر بحماية المسيحيين وإنقاذهم ورد العوادي عنهم، فأخلى لهم دوره والدور المجاورة لها حتى هدأت الفتنة، فأجمعت صحف العالم على حمده وشكره، واستحق بهذا الصنيع ثناء الجميع، فأرسل إليه الخليفة السلطان عبد المجيد وفرنسة وأمريكا وأكثر الدول الأوربية أوسمة رفيعة مع رسائل الشكر والحمد.
وفي عام ١٨٦٣ حج ثانية ودعاه الخديوي إسماعيل باشا فيمن دعا من أعيان العالم وملوكه وأمرائه لحضور الاحتفال بفتح قناة السويس.
وما زال مثالا للبر والإحسان والتقوى والأخلاق الكريمة يتهجد الليل ويمارس في رمضان رياضة الخلوة على طريقة الصوفية، إلى أن قبض رضى الله عنه في سنة ١٣٠٠هـ ودفن إلى جانب ضريح الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي بصالحية دمشق. وذاع نعيه في الآفاق وأسف عليه الملوك والأمراء ومن عرفه من الخاصة والعامة، ورثاه الكتاب والشعراء، وابنه العلماء والأدباء.
هذا موجز من سيرة الأمير الكبير، وتاريخ حياته وأخبار نضاله مع الفرنسيين مبسوطة في كثير من كتب المسلمين والفرنج. وللعالم الجليل السد أحمد أخي الأمير تاريخ مفصل لحياة أخيه لم يطبع بعد، فيه حقائق لا توجد في (تحفة الزائر) واذكر بهذه المناسبة أن الشيخ شهاب الدين محمودا قال: عدت قاضي القضاة ابن خلكان فأنشدني لبعض أهل الأدب شعرا في نقيب الأشراف بالمدائن خلب عقلي، وهو هذا:
قد قلت للرجل المولى غسله ... هلا أطاع وكنت نصحائه
جنبه ماءك ثم غسله بما ... أذرت عيون المجد عند بكائه