ولما كان المغاربة يعوزهم من أدوات القتال ما يملكه الفرنسيون انتصر الجنرال بوجو على الجيش المغربي، وكانت بوارج فرنسة ضربت طنجة ومغادور، فاضطر سلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام إلى عقد الصلح بالشروط التي تريدها فرنسة وأولها منع الأمير عبد القادر من تجاوز حدود الجزائر، فلبث زهاء سنتين متربصا غرة من العدو ينتهزها، فلما بدت له في ثورة عام ١٨٤٦ انقض على بلاد الجزائر ثانية وأمعن في الغارة حتى بلغ بلاد البربر، واستأنف الأمر كما بدأ، إلا أن قوته كانت قد تناقصت، وقدم الفرنسيون قد رسخت في الجزائر فلم تستمر غارته، وأحاطت به الجيوش من كل ناحية، فرجع إلى الحدود المراكشية، فطلبن فرنسة من سلطان المغرب تسليمه وما زالت تلح في ذلك حتى ناصرهم وساق عليه قوة عظيمة دهمته فإذا هو بين نارين، فاشتد به الغضب، فاشترط شروطا للاستسلام رضى بها الفرنسيون، وسلم نفسه على يد الجنرال لاموريسيال في ديسمبر ١٨٤٧ واتفقوا على أن يسافر بأسرته من الجزائر إلى الإسكندرية أو عكا، ولكن فرنسة أخذته إلى طولون ثم إلى إنبواز وأنزلته في قصرها معتقلا إلى عام ١٨٥٢ إذ بشره لويس نابليون بنفسه بإخلاء سبيله في يوم اهتزت له باريس احتفالا بمقدم الأمير.
اجل لم ينتصر البطل بعد جهاد ١٥ سنة جهادا عزيز المثال في تاريخ الأبطال، ولكن الأمم احتفت به لأنه يمثل كمالا من نوع آخر هو سر الانتصار.
ثم سافر الأمير إلى الأستانة وزار السلطان عبد المجيد، ثم أقام ببرصا، وفي سنة ١٨٥٥ هاجر إلى دمشق، ومر ببيروت فقام واليها وامق باشا بالحفاوة به. ثم بجبل لبنان فاحتفل به مشايخ الجبل وأمراؤه. فلما اشرف على دمشق خفت المدينة إلى استقبال مدره الإسلام، وتقدم الجمع محمود نديم باشا رئيس العسكرية، والعلماء والأعيان، ثم دخلوا المدينة تتقدمهم الجنود بموسيقاها، ونزل ضيفا بدار عزت باشا، إلى أن اختاروا له دار القباقيبي التي كانت مقر الحكومة فحط رحله فيها.
وقضى بقية حياته بدمشق في مثافنة العلماء، والتحقيق العلمي ولاسيما التصوف. ومن أمتع آثاره العلمية المطبوعة (كتاب المواقف) الذي يدل على رسوخه في التصوف علما وعملا، و (ذكرى العاقل) في الحكمة والشريعة و (ديوان شعره).
وقد صرح مؤرخو الفرنج أن مملكته العلمية والدينية كانتا من أكبر أعوانه على تأسيس