المعقولات إلى عالم المحسوسات ليرى هل هي يعينها تلك التي صادفها في صعوده. فأفلاطون يصعد أولا إلى المعقولات غير المستجدة، وينحدر من عالم المحسوس ليصل إلى نقطة نهائية وهي إثبات وجود الخالق، ثم هو يبدأ في النزول من خالق مضطرا له اضطرار، مكرها عليه إكراها لكي يتأكد من صحة الخطوات التي صعدها، ليعلم بصواب ما ذهب إليه في تفكيره.
وهذا المنهج الجدلي يختلف تمام الاختلاف عن منهج سقراط، فسقراط يطلب من محدثه أن يحدد له الألفاظ التي يستخدمها في حديثه وله في طريقته خطوتان هما: التهكم والتوليد، ففي الأولى يوجه إلى محدثه أسئلة يطالبه بالإجابة عنها حتى إذا أعترف المحدث بعجزه عن الإجابة عنها وقصوره عن إدراك الحقيقة كاملة خطا سقراط خطوته الثانية فيشرح له - عن طريق الأسئلة التوضيحية - رأيه الخاص في الموضوع الفلسفي الذي كان موضوع المناقشة.
وهذه الطريقة العملية البحتة في الجدل، تختلف تماما عن طريقة أفلاطون الصاعدة والنازلة والتي ينزع فيها إلى المعقول ثم إلى المحسوس. زد على ذلك أن سقراط كان جدله بينه وبين الناس. . . أما أفلاطون فكان جدله يجري بينه وبين نفسه، وهذا ما اسماه بمناقشة النفس نفسها أي التفكير المنفرد الذي هو أشبه بالمناجاة الشعرية الفلسفية منه بالتفكير الفلسفي المحض.
وقد قسم أفلاطون العلوم إلى: حساب وهندسة وموسيقى؛ وقد رتبها هذا الترتيب لأن كل علم لاحق يعتمد على العلوم السابقة له، ثم يزيد عليها. فالهندسة تعتمد على الحساب وكذلك الفلك، كما أن الموسيقى تعتمد عليها جميعا.
وقد ذهب إلى أن هذه العلوم تظهرنا على أن فينا قوة تترفع عن الإحساس المادي وهي العقل. وأفلاطون في جميع فلسفته يحاول أن يسمو على الإحساس المقيد إلى التفكير العقلي المطلق؛ ثم هو لا يقف عند هذه الدرجة، بل يقول بأن العقل في جميع مراحله السابقة لا يقنع، ذلك أن العلوم في هذه المرحلة القاصرة. تستخدم مبادئ أعلى منها ولا تبرهن على وجودها، مثال قولنا إن هذا الشيء اصغر من ذاك أو أكبر منه أو مساو له. ويخرج أفلاطون بهذا إلى العلوم والمعارف الإنسانية، فالعدالة والظلم والقبح والجمال والصغر