لهذا الاسم بريق ولمعان، وماض مجيد، وحاضر خافت راكد، ولكن هذا الحاضر مع خفوته وركوده لم يذهب ببهاء هذا الاسم، ونضارته، وما له في نفوس العامة من أفراد الشعب من التجلة والاحترام. فيكاد يعرفه العامة أكثر مما يعرفه الخاصة - واعني بالمعرفة وفرة المعلومات وكثرتها، لا واقعيتها وحقيقتها - فهو متصل بنفوسهم وحياتهم اتصالا وثيقا. . . يسمعون عن بطولته في المقاهي والأندية الشعبية، ما يلهب حماستهم، ويشعل قلوبهم وأفئدتهم شجاعة وأقداما، ويقدم لهم لو أنا من الخيال الحبيب، يرضيهم ويطربهم، ولا يرتضون بغيره بديلا. .!!
وإذا كان من لوازم الأدب التأثير في النفس، فإن هذه القصة، بلغت درجة لم تبلغها قصة غيرها على كثرة ما كان ينشر ويذاع بين هذه الطبقات. . . إذ ظلت حديث المجتمع المصري ثمان قرون، وظل شاعر الربابة يحدث بها الناس من العهد الفاطمي إلى اليوم، بيد أن شعر القصة اليوم اصبح شبحا ماثلا ولونا حائلا يتلاشى صوته في ضجيج العصر، وجلجلة المذياع.
وليس من السهل تناول هذا الموضوع، فلا يزال حظ الهلالية في التاريخ قليل، وأدباؤنا لا يعنون العانية اللائقة بهذا القصص الشعبي، بل تركوه في أيدي الوراقين - من الذين لا يعنيهم إلا جمع القرش - يتناولونه بالتحريف والتصحيف. حتى اصبح من العسير الوصول إلى الحقائق الناصعة، والنتائج السليمة التي ترضي الباحث ويطمئن إليها الخاصة، ولا يرتابون فيما يقرءون. . . وويل للموضوع يفقد ثقة الخاصة، ولا ينال تقديرهم واحترامهم. . .!!
وبنو هلال وسليم من بطون مضر الكثيرة المتعددة، الذين كانوا يعيشون قبل الإسلام عيشة البداوة والخشونة. ثم دخلوا حظيرة الإسلام، وحملوا رايته، ورفعوا لواءه، أيام بني أمية في الشام، وبني العباس في العراق، ثم بني أمية في الأندلس.
ولأمر ما نزحوا من نجد، وجاءوا إلى مصر، فأسكنهم الخليفة الفاطمي صعيد مصر، بيد أنهم لم يستقم لهم أمر، فعاثوا في الأرض فسادا، واصبحوا خطرا على الدولة، فرمى بهم المستنصر ملك صنهاجة والقيروان المعز بن باديس، وذلك لانحرافه عن مذهب الشيعة إلى مذهب أهل السنة، وفي ذلك كتب اليازوري وزير المستنصر الفاطمي إلى المعز بن باديس