(أما بعد، فقد أنفذنا إليكم خيولا فحولا، وحملنا عليها رجالا كهولا، ليقضي الله أمراً كان مفعولا. . .)!!
وبذلك ضرب المستنصر عصفورين بحجر واحد، وهنا تتجلى بطولة هؤلاء الأعراب، وفروسيتهم التي عمل فيها الخيال الطليق، ما كاد يخرجها من عالم الحقيقة إلى عالم الخرافات والأوهام. . .
ومهما يكن من شيء فقد تناول صديقي وزميلي الأستاذ محمد فهمي عبد الطيف هذا الموضوع في سلسلة (أقرأ)، وهو أديب ناقد، تخرج في مدرسة (الرسالة) الغراء، وكان له فيها جولات، وقد رزقه الله قلما يعرف كيف يصل به إلى نفوس القارئين. فلا عجب إذا لم المتفرق، وجمع الشتيت، جمع الناقد الفاحص، واتخذ من هذا كله مادته في هذا الموضوع، فخلق منه بحثا قيما مفيدا، يجدر بكل أديب أن يمتع نفسه به فترة من الزمن، ليجد ألواناً من الفكر المتزن. فيها جدة، وفيها جرأة، وفيها طرافة ولذة. . .
ولصديقي فهمي عذره في ترداد اسم ابن خلدون كثيرا، فهو يكاد يكون المؤرخ العربي الوحيد، الذي عنى بالكتابة عن الهلاليين، كتابه فيها مقنع إلى حد ما. . . وعسى أن تتاح الفرصة لصديقي فهمي، فيجلو بعض ما في الكتاب من غموض يسير، ويوضح بعض ما فيه من إجمال، اعتقد أن ضيق المقام، وتقيده بعدد من الصفحات هو الذي اضطره إلى ذلك. والكتاب بعد هذا تحفة أدبية لا غنى عنها لأديب.