ذلك موجز لكتاب (عصر المنصور الموحدي)، وقد وفق المؤلف في عرضه لهذين الجانبين من عصر المنصور، فكان ترتيب الفصول طبيعيا ومتسلسلا، وخاصة في الناحية السياسية. وبذلك توفر في الكتاب نوع من التنظيم قل أن نجده في كتب التاريخ. أما أسلوب الكتاب، فهو سلس وفيه بريق ولا يخلو من مسحة شعرية. ومما يتصل بذلك أن المؤلف لا يكثر من سرد النصوص التاريخية، ولكنه يكتفي بعرض الحوادث في أسلوبه الخاص مشيرا إلى المصدر في أمانة وأخلاص
غير أن لي بعض الملاحظات لا تنقص من قيمة الكتاب: منها أن كتابة التاريخ لم تعد سردا للحوداث ولا تلخيصا لما كتبه القدماء، ولكنها أصبحت فنا يقوم على شيء من التفكير وشيء من الفلسفة. ورب حادثة بسيطة لا تسترعي الانتباه تقوم عليها حياة العصر، ولو وقف عندها المؤرخ قليلا ووهبها شيئا من نفسه وتفكيره لشرحت له دقائقه وأسراره. ولكنا لم نجد في كتاب عصر المنصور أي مجهود من هذا القبيل، ومن أمثلة ذلك أن المنصور تحول من عقائد الموحدين وآرائهم التي قامت على أساسها دولتهم، وأنه وقف مع ابن رشد موقفا غريبا، فقد كان راضيا عنه مقربا له، ثم غضب عليه، ثم عاد فاستدعاه إليه وقربه. يعرض المؤلف هاتين الحادثتين كما رواهما المؤرخون، ولكن لماذا حصل كل ذلك؟ وكيف؟ لا تجد في الكتاب تبريرا لذلك.
ومن الملاحظات الهامة أن دولة الموحدين قامت على عقائد معينة أتى بها المهدي بن تومرت وأقام الدولة على أساسها عبد المؤمن جد المنصور. وقد كان حريا بالمؤلف أن يعقد فصلا لهذه الأفكار والعقائد التي قامت عليها الدولة
ومما يؤخذ على المؤلف أنه يسبق الحوادث أحياناً فيدلي بالنتائج قبل أن يسرد الوقائع التاريخية.
وقد قلت من قبل إن الكتاب نظم تنظيما دقيقا، ولكن المؤلف يعرض أحياناً لبعض الإصلاحات الإدارية والعمرانية والاجتماعية والقضائية ضمن ما كتبه عن الحياة السياسية، فقد كان حريا أن يعقد فصلا مستقلا لما قام به المنصور من إصلاحات.
وكنت احب أن لا اعرض لما وقع فيه المؤلف من أخطاء إملائية ونحوية ولغوية، ولكن