للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ينفع ذلك شيئاً. فقال الرشيد لجعفر بن يحيى: قد بقيت هذه الصبية بعلتها. قال له جعفر: لي طبيب ماهر، وهو ابن بختيشوع تدعوه وتخاطبه في معنى هذا المرض، فلعل عنده حيلة في علاجه. فأمر بإحضاره. ولما حضر قال له الرشيد: ما اسمك؟ قال: جبرئيل. قال: أي شيء تعرف من الطب؟ قال: أبرّد الحار، وأسخن البارد، وأرطب اليابس وأجفف الرطب. فضحك الرشيد وسر. وشرح له حال الصبية. فقال جبرئيل: إن لم يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة. قال له الرشيد: ما هي؟ قال: تخرج الجارية إلى هنا بحضرة الجمع حتى أعمل ما أريده، وتمهل علي ولا تعجل بالسخط، فأمر الرشيد بإحضار الجارية، فخرجت، وحين رآها جبرئيل أسرع إليها ونكس رأسه، وأمسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها، فانزعجت الجارية، ومن شدة الانزعاج والحياء استرسلت أعضاؤها، وبسطت يدها إلى أسفل وأمسكت ذيلها. فقال جبرئيل: قد برأت يا أمير المؤمنين. فقال الرشيد للجارية: ابسطي يدك يمنة ويسر، ففعلت، فعجب الرشيد وكل من كان حاضراً، وأمر لجبرئيل في الوقت بخمسمائة ألف درهم، وأحبه، وجعله رئيساً على جميع الأطباء.

وكان محله يقوى ويعلو، حتى أن الرشيد قال لأصحابه: كل من كانت له حاجة إلى فليخاطب فيها جبرئيل، لأني أفعل كل ما يسألنه ويطلبه مني. فكان القواد يقصدونه في كل أمورهم. ومنذ يوم خدم الرشيد إلى أن انفضت خمس عشرة سنة لم يمرض الرشيد، فحظي عنده حظوة كبرى.

ونستطيع أن نعلم حال هذا الطبيب وأبوه وجده من كلمة له قالها لإبراهيم بن المهدي: (إن عيش جبرئيل، وبختيشوع ابيه، وجورجيس جده، لم يكن من الخلفاء، وإنما كان من الخلفاء، وولاة العهد، واخوة الخلفاء، وعمومتها، وقرابتها، ووجوه مواليها، وقوادها. وولى أبوان خدما الخلفاء وافضلوا عليهما، وأفضل عليهما غيرهم ممن هو دونهم. وقد أفضل علي الخلفاء، ورفعوني من حد الطب إلى المعاشرة والمسامرة، وليس لأمير المؤمنين أخ ولا قرابة، ولا قائد ولا عامل إلا وهو يداريني إن لم يكن مائلاً بمحبته وشاكراً لي، على علاج عالجته به، ومحضر جميل حضرته له، ووصفته وصفاً حسناً عند الخليفة فنفعه).

صلاح الدين المنجد

<<  <  ج:
ص:  >  >>