ميكال وجمعه الجبال وقذفوا بها الشيطان وأعوانه وزلزلوا زلزالاً شديداً وأدخلوا على قلوبهم الرعب والدهشة في اليوم الثاني؛ وكيف أصر الشيطان على الرغم من ذلك، فصاول وطاول ولج في شره وعناده حتى أرسل الله في اليوم الثالث ابنه المسيح الذي احتفظ له بالنصر وفخاره؛ وكيف سوى المسيح الملائكة صفاً وفي روحه قوة أبيه، وقذف في صفوف أعدائه بالرعد القاصف، ووثب في مركبته فدفعهم دفعاً إلى أسوار السماء؛ وكيف فتحت أبوابها. فألقى العصاة منها جماعات قد امتلأت رعباً وهوت إلى قرار سحيق أعد لها في الظلام والحمم نكالاً من الله؛ وكيف عاد المسيح بعد ذلك ظافراً إلى أبيه.
هذا هو موضوع القصيدة الكبرى أتيت على سرده كي أتستطيع بعد ذلك أن أتكلم عن فلسفة القصيدة ثم عن الشعر فيها موضحاً ماذا يرمي إليه الشاعر في هذا الموضوع مفصلاً ما أجملت من حوادث القصيدة ومواضع الوصف فيها مبيناً على قدر ما يسعه جهدي مبلغ ملتن فيها من الشاعرية مستعرضاً ما أثبته نقدت الأدب الأعلام من آراء وما عقدوه من موازنة بين هذه القصيد وبين مثيلاتها من الملاحم الطويلة.
فلسفة القصيدة الكبرى:
تدور هذه القصيدة على فكرتين أساسيتين: أولاهما هبوط الملائكة من السماء إلى الجحيم؛ وثانيتهما هبوط آدم أو الإنسان من الجنة إلى الأرض؛ والغرض من هذه القصيدة كما جاء في مقدمتها على لسان الشاعر هو أن يبرر أحكام الله ومشيئته تلقاء الإنسان.
وقبل أن نبسط القول في فلسفة القصيدة يجدر بنا أن نشير إلى أمر كان له أهميته في خلق الكثير من آراء الشاعر، وكان له أثره في توجيه ذهنه اتجاهاً خاصاً بحيث أثر ذلك في فلسفة القصيدة على العموم، وذلك أن ملتن لم يجعل من القصيدة وسيلة لعرض آرائه الدينية مجردة فحسب كما يتبادر إلى الذهن بمجرد النظر إلى موضوع قصيدته، وإنما جعل الشاعر بالإضافة إلى ذلك موضوع قصيدته في أكثر من موضع مجالاً للإشارة إلى ما في نفسه من معان تتصل بحياته الخاصة أو بحياته العامة وحياة قومه من ناحيتيها الاجتماعية والسياسية. وهذا كما ذكرنا جانب من فلسفة القصيدة، إذا أغفلناه نقصت في قيمتها كعمل فني نقصاً كبيراً، بيد أننا نؤثر أن ندع بيان ذلك حتى نعقد له فصلاً خاصاً نكشف فيه عن ملتن وحياته في الفردوس المفقود، ولنقصر همنا الآن على ما أراده من الأفكار الدينية.