الأعرابي في باديته وحياته الساذجة تنطوي حقاً على كل هذه الأحاسيس المزدحمة المعقدة. . .؟
يخيل إليُ أن الأستاذ محمود محمد شاكر قد تراءت له في هذه الكلمة أحاسيسه هو، فخالها أحاسيس الأعرابي. . . وهي أمثل به منه، فما أحسب الأعرابي يريد بأبكار الهموم وعونها أكثر من جديد الهموم وقديمها، على ن استعمال (الأبكار) في الجديد من الهم أدنى إلى المعنى الحقيقي من استعمالها في المختص منه، وكذلك استعمال (العون) في قديم الهم أليق من أخذها من مشتركة.
أما تلك الظلال التي يمد الأستاذ شاكر رواقها حول البيت فهي ظلال نفسه المترفعة الآنفة الساخرة العائشة على المثل والمعاني
وأما الشاعر البدوي فما يبغي بأميمته بديلاً، مهما تدللت وبغت عليه، فإن عاتبها أو غاضبها فإليها بعدُ الهوى نفسه، ولديها محط رحاله، وما يليق به وهو ابن الحياة الفطرية الساذجة أن يدعها ويضرب في بيداء المعاني ليتصيد منها أبكار الخيال وعونه.
عثرتان:
ليس من دأبي تتبع سقطات الأقلام في اللغة وقواعدها، ولكن يهوني أيعثر قلم من الأقلام التي يستأنس بها ويتأثرها الناشئون ومن في حكمهم من غير الدارسين. والذي نحن الآن بصدد التعقيب على جموح قلمه، هو الأستاذ ميخائيل نعيمة، وهو من أدباء المهجر الذين جروا فيميدان الأدب العربي الحديث أشواطاً بعيدة، لكنهم أحيانا يصطدمون - في عدْوهم - بأوضاع اللغة، فلا يعبئون لها!
كتب الأستاذ ميخائيل نعيمة في مجلة (الكتاب) مقالاً هنوانه (مهماز البقاءَ) جاء فيه: (فمثلما نجوع إلى أشياء وأشياء كذلك تجوع إلينا أشياء وأشياء، فنحن أبداً جائعون ومجيعون، وآكلون ومأكولون).
فهو يصوغ من الفعل (جاع) اللازم واسم المفعول دون صحبة ظرف أو جار ومجرور، على أن الصياغة نفسها غير صحيحة إذ جعل واو (مجوع) ياء، ولو تروى قليلاً لقال:() فنحن جائعون ومجوع إلينا.
تلك واحدة، والثانية في قوله بنفس المقال:(لَكم نخاطب الأموات ويخاطبونا) فقد حذف نون