للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصحيح؟

ثم إن للناس مقاييس غيرها تعلو وتنخفض، وتتسع وتضيق، وتصح وتفسد، فهم يقيسون، وبمنصبه، بل إن فيهم من يتخذ مقاييس أعجب وأدنى، فصبَّاغ الأحذية يقيس عظمة الرجال بلمعان أحذيتهم لا بعلمهم ولا بفضلهم، والخياط يعتبرهم بطولهم وعرضهم، ومفتش القطار بدرجات ركوبهم، ونادل القهوة بحلوانهم وأهل السجن يقيسون عظمة النزيل عليهم بجريمته، فالقاتل أعظم من السارق، وكلما عظم الجرم عظم القدر، وعامة الناس العظمة عندهم بالشهرة فإذا نزلت بلدهم المغنية أو الرقاصة ارتج لها البلد وتسامع بها الناس وتباشروا بمقدمها وهرعوا كلهم إليها، وإذا هبط الأديب المفرد، أو العلاَّمة العَلَم؛ لم يدر بمهبطه إلا القليل، ولم يَسْع للسلام عليه إلا الأقل منهم، وتقرأ على أحدهم المقالة تخبره أنها لرجل مغمور فيوسعها ذماً وقدحاً، فإذا أخبرته أنها للكاتب المشهور انقلب القدح مدحاً والذم ثناء وإكباراً. . .

ولو سألت الخاصة ما هي مقاييس العظمة لوجدتهم مختلفين، وقديماً قال المثل السائر: (وقلت للفرنسي فلان عظيم، قال لك: ما هي شهاداته؟ والإنجليزي يقول: ما هي معلوماته؟ والألماني يقول: ما هي أعماله؟ والأمريكي يقول: ما هي آثاره؟). أما نحن فنقول: من هو أبوه؟ لأن القاعدة عندنا اليوم، أن من قصَّر به نسبه أو نشبه، لم يسرع به علمه ولا أدبه!

فما هو الميزان الصحيح لأقدار الرجال؟

نقابة الأشرار:

ولولا أن الفضل عندنا بالنسب لما قامت قيامة جماعة منا، إذ ألغت الحكومة نقابة الأشراف، ولما نادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولما زعموا أنه هد ّركن الدين، وهوت قبة الإسلام، وأحدث الحدث الأكبر الذي لا يزيله إلا غسل صحيفة هذا القرار سبعاً إحداهنَّ بالأشنان والتراب الأحمر. . .

ولقد كانت نقابة الأشراف ملغاة فأعيدت من خمس سنين، فما خسرنا بإلغائها شيئاً في ديننا ولا في دنيانا، وما ربحنا بعودتها إلا ثمن عشرين ذراعاً من الحرير الأخضر اتخذها النقباء عمائم، ولا شئ فوق هذا ولا تحته. . .

وأنا أفهم أن يكون للمحامين نقيب لأن المحامين طبقة خاصة من لم يكن منها كان خارجاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>