للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويصحح عزيمته، ويثير حفيظته، ويزيد إيمانه بحقه، واعتزازه بمجده

فتش في آثار حافظ كلها يأخذ ببصرك هذا الطابع المجيد، وتر أنه لم ينس الحديث عن مصر والشرق حتى في مدائحه، ومراثيه، لأنه لم يمدح ولم يرث إلا الغطارفة الذين عرفهم وعرفتهم مصر مجاهدين في سبيلها، مخلصين في الذود عنها، بل لم ينسه في خمرياته التي يستعبد الحديث عنها السمع والبصر واللب جميعاً، ويأخذ بذمام الفكر فلا يدعه يجنح إلا إلى اللهو والخمر والقيان والندمان وما إليها.

لم يذهب حافظ في أدبه ذلك المذهب إلا متأثراً بمصريته الصميمة، وما أفاده من صحابة الأحرار من كره الاستعمار وضيق بالذل، وما لقيه من عناد الإنجليز بالسودان وما مني به بعد من بؤس وشدة.

كل هذه العوامل قربت بينه وبين الشعب، فأحس منه ضعف النفوس، وتزايل الوحدة، وتردد المستضعف، وخوف الذليل، وأراد الإصلاح ما استطاع فاتخذ سبيله ليرضى بسعيه عن نفسه، ويكون كما قال:

لعمرك ما أرقت لغير مصر ... وما لي دونها أبداً مرام

وقوله:

إني لأحمل في هواك صبابة ... يا مصر قد خرجت عن الأطواق

لذلك لم يدع باباً من أبواب الجهاد إلا ولجه، فكان له في سبيل الوطن والدين والأخلاق مواقف عز بها وبز، وأقعد غيره عن أن يلحق به ويدانيه، واصطنع في جميعها الجرأة والصراحة وخلطها أحياناً بالتهكم اللاذع، والسخرية المرة، لتكون أبلغ في التأثير وأبقى في الآذان. واليك حديثه مع غادة اليابان مثلاً تر فيه كيف برز حافظ في هذا المضمار، وجمع إلى سلامة الشعر وشرف المقصد دقة التصوير، وسمو التصور:

لا تلم كفى إذا السيف نبا ... صح مني العزم والدهر أبى

أنا لولا أن لي من أمتي ... خاذلا ما بت أشكو النوبا

أمة قد فت في ساعدها ... بغضها الأهل وحب الغربا

وهي والأحداث تستهدفها ... تعشق اللهو وتهوى الطربا

لا تبالي لعب القوم بها ... أم بها صرف الليالي لعبا

<<  <  ج:
ص:  >  >>