ثم يمضي يصف تفريط أمته. وعشقها الألقاب في غير العلا، وجهادها بالنفوس في سبيل الرتب، وتباغضها وتحاسدها، وما إلى ذلك مما يقعد بالمصلحين، ويثبط همم المجاهدين إلى أن يقول مخاطباً غادة اليابان:
قلت والآلام تفري مهجتي ... ويك ما تصنع في الحرب الظبا
فسليني إنني مارستها ... وركبت الهول فيها مركبا
وتقحمت الردى في غارة ... أسدل النقع عليها هيدبا
جال عزرائيل في أنحائها ... تحت ذاك النقع يمشي الهيدبى
فدعيها للذي يعرفها ... والزمي يا ظبية البان الخبا
وهو بذلك الحديث كله يمهد لما يريد أن يقدمه نصيحة للشباب ويجعله مثيراً لهممهم، باعثاً لهم من مراقدهم، فأي شاب يعرف للرجولة حقها يسمع حديث حافظ على لسان هذه الغادة فيرضى أن يسيغ المذلة، ويقيم على الخسف الذي يراد به فيكون أحد الأذلين؟
فأجابتني بصوت راعني ... وأرتني الظبي ليثاً أغلبا
إن قومي استعذبوا ورد الردى=كيف تدعونيَ الا أشربا
أنا يابانية لا أنثني ... عن مرادي أو أذق العطبا
أنا إن لم أحسن الرمي ولم ... تستطع كفاي تقليب الظبا
أخدم الجرحى وأقضي حقهم ... وأواسي في الوغى من نكبا
ولسنا في حاجة إلى أن نقول: إن حافظاً قد بلغ في هذه القصيدة مبلغاً من الإحسان يحسد عليه، وأشرف بها على الغاية، وأسمعت كلماته من به صمم
ولم يزل يتبع الصيحة المدوية أخرى أشد وأعلى ليستقيم له قياد النفوس. ويدفع الشباب المترف المنعم الذي سدر في شهواته وغلا في مباهجه، ونسى حق الوطن عليه - إلى ما يجب أن يعمل له ويشغل نفسه به فانه
عار على ابن النيل سباق الورى ... مهما تقلب دهره أن يسبقا
فتدفقوا أسداً وصونوا نيلكم ... فلكم أفاض عليكم وتدفقا
فمن البلية أن تباع وتشترى ... مصر وما فيها وألا تنطقا
تلك هي البلية البالغة، والهوان الأكبر، والفعلة النكراء، فأحر برجال الغد المأمول أن يلموا