غضب الناس لحقوقهم فاستردوها، ونمنا نحن عن حقوقنا وهي ملء الأرض، وشغلنا عن مجدنا الدابر وهو ملء التاريخ، ورضينا بالدون من العيش قسما وحفظاً وقد
كنا قلادة جيد الدهر فانفرطت ... وفي يمين العلا كنا رياحينا
كانت منازلنا في العز شامخة ... لا تشرق الشمس إلا في مغانينا
وكان أقصى مُنى نهر المجرة لو ... من مائه مزجت أقداح ساقينا
والشهب لو أنها كانت مسخرة ... لرجم من كان يبدو من أعادينا
فلم نزل وصروف الدهر ترمقنا ... شزراً وتخدعنا الدنيا وتلهينا
حتى غدونا ولا جاه ولا حسب ... ولا صديق، ولا خل يواسينا
في هذه الأبيات وفي كثير غيرها يذكرنا حافظ بسلطان الشرق وملكه، وعلمه وفلسفته، وأيامه الخالية، ثم بعبوديته وفقره المادي والأدبي ليبعث من ألقى السمع إلى النهوض، وينبه الغافل الكسل إلى ماله من حقوق مسلوبة
ولبس من شك في أن شاعرنا قد أدى بقصائده هذه ما وجب عليه كمصري صميم إنيكن زاد وأربى، وأن الشعب قد أحمسه تذكير بنعمى عريضة تحولت أبؤساً، وعز باهر آض ذلاً. ولكن نفسه الكبيرة ما كانت لترضى بهذه التضحية الحق، فلولا صرامة القانون لأرتنا عجباً، فمثلها لا يقنع بما دون النجوم.
متى أرى النيل لا تصفو موارده ... لغير مرتقب لله مرتهب
فقد غدت مصر في حال إذا ذكرت ... جادت دموعي لها باللؤلؤ الرطب
إذا نطقت فقاع السجن متكئ ... وان سكت فان النفس لم تطب
وكما لم يحمد حافظ جهاده وبلاءه لم يحمد للشباب نهوضهم المقدور، وجهادهم المحدود، وهو يريدهم أسوداً ضارية لا ترتد عن الغاية أو تبيد، فأنحى عليهم باللائمة وأغلظ لهم في القول، وقرعهم وتحدى رجولتهم فقال:
أنابتة العصر إن الغريب ... مجد بمصر فلا تلعبي
يقولون في النشء خير لنا ... وللنشء شر من الأجنبي
أفي الأزبكية مثوى البنين ... وبين المساجد مثوى الأب
وكم ذا بمصر من المضحكات ... كما قال فيها أبو الطيب