هذه النابتة التي راضها حافظ على التضحية فارتاضت بعد شماس، وأدبها ذلك الأدب الجميل وطالما أوضعت في اللهو وجنحت إلى الأثرة فجنت على الأمة، هي التي تسعى اليوم غير وانية، وتمضي غير متريثة، لا يشغلها عن جهادها الشريف ما يُمنى لها من كيد، وما يراد بها من هون، لقد علمها بالصراحة، وعرض عليها شر ما فيها من الخصال لتتوقاه، وكان عليها حديد اللسان إن ترددت حين العزم وتقاعست عند النائبة
حسبي هذه الصور البارعة التي تدل دلالة واضحة على أن حافظاًً - أحسن الله جزاءه - كان شاعرا الوطنية الثائرة، لم يقدع ثورته الخوف، ولم يأسر قلمه التزلف والرياء، ولم يخالف بين قوله وفعله
وستظل هذه الناحية من شعر حافظ شغل الباحثين ما دام الحديث عنها يمتد ويمتد فلا يقوم بالإيفاء فيه الإطناب المطنب، وما دامت النفوس الأليمة تستروح برد الراحة في دراسة هذه الآثار التي تحدث عن أشهى أمنية من أمانيها، وما دام - حافظ - نفسه يأبى أن يحتفل بغير هذه الناحية، ويقول ما معناه (إن من قضى شبابه في الجيش، ثم انغمس بعد تسريحه في شعر الوطنية؛ هيهات أن يجد متسعاً لما وراء ذلك) وأختتم الكلام بعرض مختار من إحدى قصائده في داهية دنشواي الدهياء، وقد صاغها من حسرات نفسه وآلام شعبه، ورثى فيها العواطف الشريفة - يقتلها حب الاستعمار في نفوس أهله - فجاءت طرازاً وحدها في قوة التأثير وجمال النظم قال: