اسمه (لاوى) فقال لأبي نواس: كيف رأيت مدينتنا هذه؟ فأجابه: حدثنا بعض رواتنا أن هذه هي الأرض المقدسة لبني إسرائيل. فقال له الخمار: أيما أفضل هذه أم قطربل؟ فقال: لولا صفاء شراب قطربل، وركوبها كاهل دجلة، ما كانت إلا بمنزلة حانة من حاناتها.
ثم مر أبو نواس بمدينة عانة فسمع اصطخاب الماء في وجداولها فقال: أذكر في هذا قول الأخطل:
من خمر عانة ينصاع الفؤاد لها ... بجدول صَخب الأذى موْار
فأقام فيها ثلاثاً يشرب. ثم قال لولا قربها من قطربل ومجاذبة الدواعي إليها لأقمت بها أكثر من ذلك. فلما دخل الأنبار تسرع إلى بغداد وقال: ما قضيت حق قطربل، فعدل إليها وأقام ثلاثاً أتلف فضلة كانت معه من نفقته، وباع رداءً معلماً من أردية مصر. ولما أراد الانصراف عنها اجتمع الخمارون للسلام عليه. قال الصولي: فما شبهتهم وإياه إلا بخاصة الرشيد عند تسليمهم عليه يوم حفل له. وقد قال في ذلك قصيدة ظريفة هي:
طربت إلى قطربل فأتيتها ... بمال من البيض الصحاح وعين
ثمانين ديناراً جياداً أعدها ... فأتلفتها حتى شربت بدين
رهنت قميصاً سابرياً وجبة ... وبعت رداء معلم الطرفين
لخمارة دين ابن عمران دينها ... مهذبة تكنى بأم حصين
وقلت لها إن لم تجودي بنائل ... فلا بد من تقبيلي الشفتين
فقالت: وهل ترضى بغيرهما هوى ... با بلج كالدينار فاتر عين
وقد كنت في قطربل إذ أتيتها ... أرى أنني من أيسر الثقلين
فروحت عنها ميسراً غير موسر ... أقرطس في الإفلاس من مائتين
وقال لي الخمار عند وداعه ... وقد ألبستني الخمر خف حنين
ألا عش بزين أين سرت مودعاً ... وقد رحت منه حين رحت بشين
بغداد
شكري محمود أحمد
مدرس العربية بدار المعلمين الابتدائية