يظن كثير من الناس أن تقسيم شمال أفريقيا الحالي يرجع إلى الاستعمار الفرنسي، وهذا ليس بصحيح. فقد عرفت شمال أفريقيا هذا النظام منذ زمن بعيد، حتى قبل الإسلام خضعت أجزاؤه المختلفة إلى مقادير متباينة، بحيث لم يستطع أحد أن يوحده في ظل الحرية أو الاستعمار، إلى أن جاء الإسلام، ولم يكد ولاة القيروان يوحدون تلك الأراضي حتى تصدعت هذه الوحدة من جديد. ويكفي أن نقول إن شمال أفريقيا في تاريخه الإسلامي الطويل لم يتوحد إلا مرتين، أولاهما في عصر الفاطميين إلى أن رحلوا إلى مصر، وثانيتهما في عصر الموحدين ملوك مراكش إلى أن انفصل عنهم بنوا زيان في الجزائر، وبنوا حفص في تونس، وهكذا تصدعت وحدة شمال أفريقيا لآخر مرة في القرن السابع الهجري بعد أن لم يكتب لها النجاح في المحاولتين اللتين أسلفنا الإشارة إليهما. وكان هذا على أساس قيام ثلاث دول هي مراكش والجزائر وتونس، وقد ظل الأمر على ذلك منذ هذا الحين.
ذلك هو التاريخ، وهو دون شك عامل حيوي لا يحمل إغفاله. بيد أن ظروف الحياة في العصر الحديث قد تغيرت وبات نظام العالم يدعو إلى قيام كتل دولية كبيرة، تقوم على أساس التعاون وتبادل المنفعة. فإذا أعدنا النظر في اتحاد أو وحدة شمال أفريقيا على ضوء هذا استطعنا أن نلاحظ أشياء جديدة.
هذه البلاد شديدة التشابه من الناحية الجغرافية؛ فهي مثل الجزيرة الخصبة المحصورة بين رمال الصحراء في الجنوب والشرق، ومياه البحر في الشمال والغرب. والاختلاف في الظواهر الطبيعية بينها جميعاً يشبه اختلاف هذه الظواهر في كل قطر على حدة. ولذلك فإن هناك تشابهاً كبيراً بين السكان في الجنس والعادات والخلقة والتنوع.
ولا توجد حدود طبيعية بين هذه الأقطار، ولذلك ظلت حدودها مطاطة وغير مستقرة خلال عصور التاريخ.
وتاريخها شديد الارتباط في حوادثه بالرغم من انفصالها السياسي، وأغلبية السكان الساحقة مسلمون وهم متشابهون في ظروف الحياة، ومستوى الفكر، وتركيب العقلية، وكل اختلاف في طبائعهم يرجع إلى عوامل استثنائية لن تلبث أن تزول مع انهيار الأنظمة الحالية.