أضف إلى ذلك خضوعها في العصر الحديث لدولة واحدة هي فرنسا - مع استثناء الجزء الشمالي الصغير من مراكش الخاضع للنفوذ الأسباني ولا يتعدى سكانه المليون نسمة - ومهما تتعدد الأنظمة وأسماؤها، فقد اصطبغ الاستعمار الفرنسي فيها بصبغة واحدة، لا يختلف في جوهره مطلقاً. قام فيها بإصلاحات مادية واحدة، وأثار فيها مشاكل واحدة أيضاً، هي مشكلة العنصرية ونزع الأراضي وكبت الحريات العامة ومحاولة التوفيق بين التقدم الاقتصادي والاستثمار وبين الحيلولة دون تطور الأهالي واستفادتهم من التقدم الاقتصادي، فنتجت عن ذلك حالة واحدة متشابهة.
ثم إن الموقف الفرنسي إزاء أماني هذه البلاد القومية موقف واحد وهو موقف الحريص على الاحتفاظ بكل شيء وعدم التسامح حتى في المسائل الصغيرة التي لا تقدم ولا تؤخر في صميم النظام الحالي.
وقد قلنا ونحن معتمدون على طبيعة الحياة وقانون التطور - إن هذه البلاد سوف تحقق أمانيها القومية مهما فعل الفرنسيون. فالسؤال الذي نريد أن نطرحه الآن هو: هل في استطاعة هذه الأقطار أن تكون بعد تحررها من النظام الحالي دولة واحدة أو أن تؤلف اتحاداً سياسياً؟.
لقد رأينا أن التاريخ لا يقدم إلينا أمثلة مشجعة على التفكير في قيام دولة واحدة مؤلفة من شمال أفريقيا العربي، ولذلك فنحن نرى استحالة قيامها في المستقبل القريب. أما ما يمكن أن يقوم فهو (اتحاد شمال أفريقيا العربي) وهو مشروع يجب إطالة التفكير فيه، ومحاولة بنائه على أسس مستمدة من التاريخ
كان هذا الاتحاد متعذراً في الماضي يوم كان التاريخ لا يسمح به لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها في هذه العجالة. أما اليوم فإن المآسي الحديثة قد صهرت هذه الأقطار، وقربت فيما بينها، وجعلتها تفكر في مشاكل واحدة، وتقاسي أرزاء واحدة، وتكون على اتصال دائم بحكم النظام المتشابه الذي تخضع له، وتبعيتها لدولة واحدة في العصر الحديث.
كان سقوط الجزائر بيد الأتراك إيذانا بسقوط تونس في يدهم أيضاً. ثم سقطت الجزائر مرة أخرى بيد الفرنسيين فكان سقوطها مقدمة لسقوطهما جارتيها معاً. وإذن فإن من أبسط الدواعي إلى قيام (اتحاد شمال أفريقيا العربي) هو أمن هذه البلاد الإجماعي في المستقبل.