للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه في الغرب أحد! ولكنه يطلع أمامه فيرى شفقاً من سنا الشرق يغشى بلاد الإسلام من مراكش إلى تركية وإيران وأفغانستان وباكستان وقسم عظيم من ملكوت الصين، وقد تألقت في جنباته المآذن والقباب، وأشرقت من خلاله وجوه تمج أفواهها النور، وتشع أعينها الأمل، وتجيب ألسنتها بصوت واحد تجاوبته الأرض ورددته السماء: الملك لله الواحد القهار! ثم يعلو من بين هذه الوجوه وجه ترمقه الدول العربية، وترقبه الأمم الإسلامية، حتى يواجه العملاق الذاهب بنفسه، ثم يقول له: ألست تزعم أن لك رسالة تشيع وسائل العمل بين العمال، وتفك رقابهم من أغلال رأس المال؟ إن هذه الرسالة آية واحدة من آي الرسالة الإلهية المحمدية شوهتها نقائض العقل البشري بما دس فيها من إفراط وإقساط وتهور. وليس من المعقول أن يسعد الفرد وتصلح الأمة وترقى الإنسانية بإلغاء الوساطة الطفيلية بين المنتج والمستهلك وهي مشكلة واحدة من مشكلات الحياة. هناك علاقة الفرد بنفسه وقد تركتموها كعلاقة الآلة بالمحرك عليها أن تعمل ولها الوقود والزيت والشحم. وهناك علاقته بأسرته وقد جعلتموها كعلاقة الفروج بالفروج في معامل التفريخ الصناعي لا يعرف حنو الجناح ولا يدرك نعيم القنّ. وهناك علاقته بدولته وقد رددتموها كعلاقة قطع الشطرنج باللاعب ينقلها من خانة إلى خانة ولا إرادة لها ولا وعي. وهناك علاقته بربه وقد قطعتموها فانقطع نور الوحي عن ضميره وعقله. وبمثل هذه العلائق الواهنة لا يتماسك مجتمع ولا يترابط شعب. فإذا كنت صادقاً في دعواك، مخلصاً في دعوتك، فاقتبس للعالم الجديد شريعة الإسلام؛ فإنها وحدها هي النظام الذي يحقق الوحدة الإنسانية: يؤاخي بين الناس كافة في الروح والعقيدة لا في الجنس والوطن؛ ويسوي بين الأخوة جميعاً في الحقوق والواجبات فلا يميز طبقة على طبقة ولا جنساً على جنس ولا لوناً على لون؛ ويجعل للفقير حقاً معلوماً في مال الغني يؤديه إليه طوعاً أو كرهاً ليستقيم ميزان العدالة في المجتمع؛ ويجعل الحكم شورى بين ذوي الرأي فلا يحكم طاغ بأمره، ولا يصر مستبد على غيه؛ ويأمر معتقديه بالإقساط والبر لمن خالفوهم في الدين وعارضوهم في الرأي؛ ويوحد بي الدين والدنيا ليجعل للضمير السلطان القاهر في المعاملة، وللإيمان الأثر الفعال في السلوك.

عندئذ يتصاغر عظموت العملاق ويتقاصر طوله، ثم يقول في استسلام وإسلام: تلك مبادئ

<<  <  ج:
ص:  >  >>