لما يحن! ولكنني أرجو من الآلام التي أنهكتني أن تسوقني إلى الراحة الخالدة التي أطلبها كل يوم، هرباً من العذاب الذي أضواني.)
كان ليوباردي يجحد وجود العناية الإلهية، والآن يثبتها لأنه يحس وجودها بالضرورة التي تفرض وجودها. يقول الشقي (إذا كان هنالك كائن في السماء أو الأرض أو في قاع البحار، فلا أقول عنه إنه رحيم، ولكنه شاهد على عذابي)
كان ليوباردي يحتقر البراعة، وينسى الأسماء الخالدة اللامعة وها هو الآن في ذات مساء، في مدينة (رومة) يرقى ربوة ((سانت أتومزيو) حيث قضى (لوتاس) نحبه، ينحني إزاء قبر هذا الشاعر الكبير، ويستوي تحت ظلال الشجرة التي ألف الشاعر أن يفئ إليها متأملاً في غروب الشمس، هنالك يقول ليوباردي لا شيء جميل على الأرض؛ عظمة اليراعة التي تعيش وتخلد هي فوق كل عظمة. وكان يقول عن الحب إنه حلم فارغ، غير خليق به أن يقلق نفساً صافية، وها هو ذا الآن يجعل من الحب رسول السعادة الحقيقة، ترسله الآلهة إلى قلوب بني الإنسان. (فهو إذا هبط الأرض تحرى عن أشرف القلوب وأطهرها، وبث فيها من روحه وعذوبته. حتى ليحس صاحب الحب أن في قلبه روحاً غريبة تثنيه عن العالم) وهو الكاتب إلى أخيه (بالله أجبني. . . أنا في حاجة إلى الحب. . . الحب. . . النار. . . الهيام. . . الحياة) وهو الذي يحدث عن صداقة أنقذته، وبدلت بؤسه هناء وجعلته يؤمن بأن في الحياة أفراحاً كان يحسبها مستحيلة.
كان ليوباردي يساير مذهب الجاحدين وجود المشاعر السامية في الإنسان، والآن أصبحت هذه الأكاذيب عنده أسمى شيء في أخلاق الإنسان، تدل على شيء هو أعظم من الرداء الترابي، فيصرف وجهه عن الأرض ليتأمل في عظمة الفضاء الشاسع والعوالم السابحة فيه، فيرى كل شيء صغيراً حقيراً عند هذه النفس، فيعرف أن النفس هي أوسع بخاطراتها وتأملاتها من كل عالم، فتشكو هذا النقص وتحس الفراغ والسأم؟ أليس هذا بما فيه برهاناً على شرف الطبيعة الإنسانية؟
هذه المشادة هي المعركة التي تقوم بين القلب والروح، ولكن هذه المعركة التي تتخذ من صدر (ليوباردي) ميداناً عنيفاً هي معركة دائمة لا انتهاء لها. يحفزها الألم ويسعر ضرامها الشقاء ذلك الألم الذي نحا بالشاعر إلى هذه الوجهة العابسة من فلسفة الشك، وطبيعي أن