ومن غير الدهر، وتقلب الحدثان ما ذهب بإمارته بعد أن جاهد فيها سبع سنوات، فبقي ثلاث سنوات شريداً في جماعة من خلصائه وجنوده، فلما يئس من إمارة أبيه أو كاد، وجه همته العالية، وعزيمته الماضية إلى كابل ففتحها سنة ٩١٠هـ.
ولما تمكن ملكه في كابل طمح إلى الأرض الواسعة سعة آماله وعزائمه؛ طمح إلى الهند فأخذ يغزو أطرافها سنة ٩٢٥هـ، حتى مكنته سياسته وعزيمته أن يمحو دولة سلاطين دهلي في موقعة بانيبات الماحقة التي انجلت عن السلطان إبراهيم اللودي قتيلاً بين خمسين ألفاً من جنده.
ويوم الجمعة الرابع عشر من رجب سنة ٩٣٢ بعد موقعة بانيبات بستة أيام خطب لمحمد ظهير الدين بابر على منبر دهلي.
وبعد سنتين مزق هذا القائد العبقري جموعاً حشدها أمراء كثيرون من أمراء الهند تألبوا عليه لدرء خطره: قاد سانجا زعيم أمراء رجبوت جيشاً فيه ثمانون ألف فرس وخمسمائة فيل ومائة وعشرون قائداً. فلقيهم بابر في كندها وأدار عليهم من جنده وشجاعته وتدبيره حرباً لا قبل لهم بها فهزمهم هزيمة قاضية سنة ٩٣٤هـ.
وتوفي بابر سنة ٩٣٧هـ في التاسعة والأربعين من عمره، وقد وضع القواعد لدولة استمر سلطانها في الهند حتى سنة ١٢٧٥ (١٨٥٨م). وهي الدولة التي اتسع سلطانها، وعمت سطوتها حتى خضعت الهند كلها لسيطرتها حيناً من الدهر، وما أعرف دولة في تاريخ الهند الجاهلي والإسلامي جمعت الهند كلها في سلطانها إلا هذه الدولة.
توالى على عرش هذه الدولة ستة ملوك عظام في مائتي سنة من بابر إلى محي الدين أورنك زيب، وقد عمل هؤلاء الملوك في سياسة الهند وعمرانها وإصلاحها ما لم يؤثر عن دولة أخرى.
سن هؤلاء السلاطين سنناً في الدولة حسنة، وسلكوا طرقاً في الإصلاح مأثورة، وجمعوا حولهم - ولا سيما جلال الدين أكبر الذي ملك خمسين عاماً - العلماء والفلاسفة والأطباء والأدباء من الهند وأقطار أخرى.
وجمعوا الصناع من شتى البلاد، وشادوا من الأبنية ما يزال قائماً يملأ الرائي عجباً ودهشة، وتملأ مسلمي الهند فخراً وعزة وجلبوا إلى الهند كثيراً من أنواع الحيوان، وأشجار